أحد النصـرة (التجـربة علي الجبل)

 

 

“وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (١كو١٥: ٥٧)

“وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ” (2كو ١٤:٢)

[ولم يقـدروا أن يميلوا أفكاره ولا إيمانه المستقيم ولا عظم محبته في الملك المسيح] (ذكصولوجية مارجرجس).

[الآن صرنا بالمسيح مُمَجّدين بنصرته بينما كنّا قديما منهزمين بآدم الأول، تعالـوا نسبّح للـرب ونرتّل أناشيـد الفـرح لله مخلصنا ولندس الشيطان تحت أقدامنا ونهلّل جزلين بسقـوطه في المذلّة والهــوان] (القدّيس كيرلس الكبير)[1]

[إن كان الكنز في السماء فيكون القلب والعقل في السماء ولا يستطيع العالم أن يغلب الإنسان الذي ليس فيه شئ يمكن أن يغلب] (القدّيس كبريانوس)[2]

شــواهــد القــراءات

(مزمور عشية : (مز٥١ : ١ ، ٩) ، (إنجيل عشية مر١: ١٢-١٥)، (مزمور باكر مز ٥٧ : ١)، (إنجيل باكر لو ٤: ١-١٣)، (رو ١٩:١٤-٢٣) & (رو ١٥: ١-٧)، (يع٢: ١-١٣)، (أع ٢٣: ١-١١)، (مزمور القـدّاس (مز٢٧ : ٨ ، ٩)، (إنجيل القـدّاس مت ٤: ١-١١).

شــرح القـــراءات

يعلن هــذا الأحـد نصرة إبن الله الكلمة المتجسد على الشيطان، ولأنه كان يحملنا في جسده الخاص حسب تعبير القدّيس أثناسيوس الرسولي، فالنصرة كانت وصارت لنا فيه.

ويمكن لنا أن نقــول مع القـديس بولس “يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا”، والنصرة التي أعطاها أيضا للكنيسة جسد المسيح فصارت كنيسة منتصرة مادامت تحيا برأسها وقائدها ورئيس كهنتها المسيح يسوع

“شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين” (٢كو٢: ١٤).

فـالنصــرة موضوع قـراءات هـذا اليـوم هى نصرة إبن الله ونصرة الكنيسة المقـدسة ونصرة كل مسيحي يحيا في شركة مع الثالــوث.

لذلك توضّح لنا قـراءات المزامير (مزمور عشية وباكر والقـدّاس) ارتباط النصرة بالتوبة وغفـران الخطية والتحرر من سلطانها، والإحتياج الدائم للتوبة والإحتماء بالإبن والإستنارة بنور وجهه والتمسّك بظل جناحيه – الصليب – لكي ما نتحرر من الخطية ونفـرح ونعيش الخلاص.

وتوضّح قــراءات البولس والكاثوليكون والإبركسيس إرتباط النصرة بالكنيسة.

فوحـدة الكنيسة سر نصرتها ليس لأجل الوحـدة في ذاتها بل لأن وحـدة الكنيسة في المسيح هى المدخل الأساسي لإستعلان الثالـوث فيها وكمال النصرة.

لذلك توضّح الثلاث قــراءات أهمية الإهتمام الواحـد وبنيان كل الأعضاء واحتمال واحتواء ضعف الآخريـن (البولس). وأيضا المحبة النقية للكل وعـدم المحاباة وغنى الأعضاء بالإيمان وليس بالذهب والفضة (الكاثوليكون) والفكر الواحـد وخطورة الآراء الخاصّة في الكنيسة بعيداً عن فكـر الآباء (الإبركسيس).

ثم تظهر لنا الأناجيل انسان العهد الجديـد الـرب يسوع المسيح له المجد، والطريق الذي رسمه للإنسان بحياته وصومه وآلامه وصليبه وقيامته، ففي إنجيل عشية عطية الإنسان في العهد الجديد في المسيح، وفي إنجيل باكر مسؤولية الإنسان في العهد الجديد، وفي إنجيل القـدّاس نصرة الإنسان على الشيطان طريقاً ومنهجاً وعطية أعطاها لنا المسيح له المجد مجاناً لكل من يثبت فيه. لذلك فالنصرة التي توضّحها لنا قراءات اليوم هى في المسيح ابن الإنسان ورأس الكنيسة يحياها كل عضو بالتوبة الدائمة وتعيشها الكنيسة بوحدتها وكيانها الـواحـد.

في مزمور عشية تشعر النفس بثقل خطاياها وتطلب من الله أن يصرف وجهه عن خطاياها.

“أصرف وجهك عن خطاياي وأمح جميع آثامي”.

لكن العجيب أن هذه النفس في مزمور القـداس تشتهى وجه الله وتلتمس رؤيته.

“طلبت وجهك، ولوجهك يا رب ألتمس، لا تصرف وجهك عني”.

ويعلن مزمور باكر سر التغيير بين الخوف من رؤية وجهه في مزمور عشية إلى الطلب بإجتهاد أن ترى وجهه في مزمور القـداس نتيجة دخـول النفس في قـوة وسر صليب المسيح له المجـد الذي غيّر فكر الإنسان بالكامل نحـو الله.

“فإنه عليك توكلت نفسي وبظل جناحيك – الصليب – أتكل إلى أن يعبر الأثم”.

فالصليب هــو الذي أعلن غنى وكمال الحب الإلهي للبشرية الضعيفة الساقطة، وجعل الإنسان يـرى الله أبّاً وحبّاً وغفـراناً ومجـداً وإتساعاً ومراحم أحشاء مترفقـة.

إذا رجعنا إلي إنجيل عشية نرى عطايا نصرته لنا، القـوّة أمام وحوش العالم وجبروته، لكن أيضا شركة السمائيين والكرازة بالملكوت

“وكان مع الوحوش وكانت الملائكة تخـدمه وبعـد ما أسُّلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز بانجيل ملكوت الله”.

ويـرسـم لنــا إنجيل باكــر طريق ووسائط النصرة في المسيح، الإمتلاء من الـروح القـدس، والصوم والحياة بكلمته المقـدّسة التي هى أنفـاس الله.

“أما يسوع فرجع من الأردن وهو ممتلئ من الـروح القـدس، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام، … فأجابه يسوع قائلاً مكتوب … وقال له مكتوب”.

أما البولس فيعلن عن الكنيسة المنتصرة في المسيح، كنيسة السلام والإهتمام الـواحد وبنيان كل الأعضاء، وإحتمال ضعف الضعفاء، وقبول الأعضاء لبعض وتجنّب العثرات

“فلنتبع ماهـو للسلام وماهـو لبنيان بعضنا لبعض، فيجب علينا نحن الاقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا، فإن المسيح لم يُرضِ نفسه، وإله الصبر والتعزية يعطيكم فكراً واحداً بعضكم لبعض بحسب المسيح يسوع لكي بقلب واحد وفم واحد تمجـدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح”.

بينما يحذر الكاثوليكون من معطّلات نصرة الكنيسة وعلّة ضعفها، غياب الرحمة وضعف المحبة وتفشّي المحاباة للأغنياء.

“يا إخوتي لا يكن لكم إيمان مجـد ربنا يسوع المسيح بمحاباة الوجوه ـ فنظرتم إلى اللابس الحلّة البهية وتقولـون له اجلس أنت ههنا حسناً وتقـولـون للمسكين قف أنت هناك أو اجلس ههنا تحت موطئ الأقـدام. فإن كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب تحب قـريبك كنفسك فإن الدينونة بلا رحمة تكون على من لم يعمل الرحمة”.

كما يوضّح أن المنتصرين في الكنيسة ربما يكونون أفقـر أعضائها، ومضطهدي الكنيسة ربما يكونوا أغنى أولادها.

“أما إختار الله مساكين هـذا العالم وهم أغنياء في الإيمان وورثة للملكوت الذي وعـد به الذين يحبونه أليس الأغنياء هم الذين يقهرونكم ويجـرونكم إلى المحاكم أليس هم يجدفـون على الأسم الحسن الذي دعى به عليكم”.

أما الإبركسيس فيعلن مجـد نصرته في كنيسته، وخدّامه الأمناء في الشهادة الدائمة للمسيح في كل وقت وفي كل الظروف ورغم كل المعوقات والإضطهادات، وأيضاً خطورة بٌعد المؤمنين عن فكـر الله وتسليم الآباء القـدّيسين.

“فلمّا قال هـذا حدثت منازعة بين الفريسيين والصدّوقيين، فلمّا حدثت منازعة كثيرة خاف قائد الألف أن يفسخـوا بولس، فأمر الجند أن ينزلوا ويخطفوه من بينهم ويأتوا به إلى المعسكر، وفي الليلة التالية وقـف به الـرب وقال ثق فإنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضاً”.

ويختم إنجيل القـدّاس بالحديث عن التجـارب الثلاث التي يتعرض لها الإنسان من الشيطان.

  • تجربة الطعام المادّي

“فقـل أن تصير هذه الحجارة خبزاً فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” (مت ٤: ٣).

وتكلمت القـــراءات اليــوم عـن هــذه التجربـة في البولس فيما يخصّ علاقتنا بالآخريـن “لا تنقض عمل الله لأجل الطعام …. حسن أن لا يؤكل لحم ولا يشرب خمر ولا مما يعثر به أخـوك”.

  • والتجربة الثانية وهى الكبرياء الروحي

“إن كنت أنت ابن الله فألق بنفسك إلي أسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لئلا تصدم بحجـر رجلك” (مت ٤ : ٦)

وهذه التجربة ذكرت في الإبركسيس في النزاع بين الفريسيين والصدوقيين وضيق رئيس الكهنة من القـديس بولس وحسده وغيرته منه.

“أيها الرجال اخوتنا إني بكل ضمير صالح تعبّدت لله إلى هـذا اليـوم فأمر حنانيا رئيس الكهنة القائمين أمامه بأن يضربـوه على فمه” (أع ٢٣: ١-٢).

  • والتجـربـة الثالثة تعظّم المعيشة ومجـد العالم

“ثم أخذه إبليس أيضاً على جبل عالٍ جـداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له أعطيك هـذه جميعها إن خـررت وسجـدت لي” (مت ٤ : ٨).

وذُكرت هذه التجربة في الكاثوليكون في نظرة أعضاء الكنيسة لمن يتحلّون بالذهب والفضة ولهم مجـد العالم وتعاليهم على الفقـراء.

“لأنه إن دخل إلى مجمعكم رجل في إصبعه خاتم ذهب بحلّة بهية ودخل أيضاً مسكين في ثـوب رث فنظرتم إلى اللابس الحلة البهية وتقولـون له اجلس أنت ههنا حسناً وتقولـون للمسكين قـف أنت هناك أو اجلس ههنا تحت موطئ الأقـدام” (يع ٢: ٢-٣).

أي أن التجارب الثلاث التي يتعـرض لها الإنسان في إنجيل باكر وإنجيل القـدّاس ذُكرت في البولس والكاثوليكون والإبركسيس فيما يخص علاقتنا بالآخرين كأعضاء جسد واحـد.

وإبن الله في التجارب الثلاث هــو:

  • مسدّد احتياجاتنا وسندنا في عـوزنا   “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان”.
  • وأيقـونة تـواضعنا وغاسل أقـدامنا  “وأوقفه على جناح الهيكل وقال له إن كنت أنت ابن الله فألق بنفسك إلى أسفل”.
  • وفـردوسنا الداخلي وجنّتنا المغلقـة  “وأراه جميع ممالك العالـم ومجـدهـا وقــال له أعطيك هــذه جميعها إن خـررت وسجـدت لي”.

ملخّـص القــراءات

مزمور عشية وباكر والقـدّاس إرتباط النصرة في حياة الإنسان المسيحي بالتوبة
مزمور عشية التوبة تتمثّل في مراحم الرب الغنية
مزمور باكـر وتمسّك النفس بالصليب
مزمور القـدّاس وإلتماس وجه الإبن
البولس والكاثوليكون والإبركسيس إرتباط النصرة في حياة وكيان الكنيسة بالـوحـدة
البولس الوحدة تتمثّل في الاهتمام الواحد وبنيان كل الأعضاء
الكاثوليكون والمحبّة النقية بين أعضاء الكنيسة وعدم المحاباة
الإبركسيس والفكر الـواحـد لكل أعضاء الكنيسة
إنجيل عشية وباكـر والقـدّاس إبن الإنسان الكلمة المتجسد هـو طريـق النصرة

 

الأنجيل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[3]

“كان ينبغي أنْ ينهزم الشيطان بذلك الجسد البشري ذاته الذي مات و تَمَجّد حينما قام.” (هيلاري).

“إن تجربة يسوع قد حدثت لأجْل تعليمنا.فقد قام يسوع بعمل كل ما كان يلزم لخلاصنا بما فَعَل وبما فُعِل به أيضا.” (ذهبي الفم).

“اضطرب إبليس وهاله الخوف؛ إذ بعد أنْ ملأ العالم بالآثام، إذا بشخص يأتي الآن ليرفع خطايا العالم.” (كروماتيُس).

“إنه بجوعه هذا يكون شريكًا معنا بالكامل في وضْعنا البشري، ما خلا الخطيئة وحدها.” (أوريجانوس).

“الشيطان يبدأ الإغواء بإشباع شهوة البطن. بهذه الوسيلة ذاتها أخرج الإنسان الأول؛ هذه الوسيلة التي بها لا يزال كثيرون يسقطون.” ((ذهبي الفم).

“الله أذل العبرانيين في البرية بالجوع وأطعمهم بالمنّ لكي يَعلَموا أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.” (أوريجانوس).

“ليس بالخبز وحده،  بل بكلمة الله نحن نتغذي للحياة مع الله.” (جيروم).

“كان الشيطان يسعى إلى أنْ يقود الرب مِن العلا إلى أحطّ الأمور الدنيا إذ أوقفه على جناح الهيكل.” (هيلاري).

“كل السهام الزائفة التي يطلقها الشيطان لتشويه صورة الكتاب المقدس يكسّرها ترس الحق الذي للإنجيل.” (جيروم).

“بالرد على الشيطان بالكتاب، يعلن يسوع أن الغواية الشيطانية لا بد أنْ تُقهر بطول الأناة.” (ذهبي الفم).

“تعامَل يسوع مع ثلاث تجارب: الشهوة، والمجد الباطل، وحب المال والجاه. والتجارب الثلاث هذه كلها حملت ضمنًا التجربة الوحيدة التي كانت لآدم. بهذا نتعلم أنْ نواجه كل تجربة بالكتاب المقدس.” (غريغوريوس الكبير).

 

التجربة على الجبل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[4]

  • انتظر الشيطان حتى بلغ السيد المسيح الثلاثين من عمره ليجربه لأنه عندها فقط اَظهر يسوع نفسه على إنه المسيح في معموديته (مار افرام السرياني).
  • تتعامل المقدمة مع يسوع وتنقلاته حيث قاده الروح إلى البرية للصوم (القديس كيرلس الإسكندري)
  • هناك وصف لآدم وخلفية تاريخية من سفر التكوين لهذه القصة حيث طرد آدم من الفردوس إلى الصحراء، في حين أن السيد المسيح آدم الجديد، يذهب إلى الصحراء نيابة عنا ليخرج من برية التجربة (الاغواء) ليقودنا إلى الفردوس (القديس امبروسيوس)
  • تجذب التجربة (الغواية) الاولى يسوع إلى خطيئةالشراهة والتي لعنت آدم الأول (أوريجانوس).
  • سقط آدم بتناول طعام لم يكن له ليأكله؛ ويسوع انتصر بعدم تناول الطعام الذي جربه به الشيطان فيلحظة من الجوع الشديد بعد أربعين يومًا من الصوم (القديس كيرلس الإسكندري)
  • إن يسوع ابن الله المتجسد، كلمة الله، هو خبز الحياة النازل من السماء الذي سيُطعم الشعب خبزَ نفسِه، ويهزم الشيطان بهذا الخبز السماوي، كلمة الله (القديس امبروسيوس)
  • في التجربة (الاغواء) الثانية، ممالك الشيطان تظهر ليسوع في لحظة من الزمن، ليست ممالك مثل روما أوبلاد فارس ولكن حُكم الشيطان في العالم.
  • لقد أخذ الشيطان هذا العالم عن طريق الاختلاس،ولكن بعد مجيء السيد المسيح، سيعيد السيد المسيح هذا العالم إلى سلطته الصحيحة من خلال إطاعة (قبول) الألم وموته (القديس كيرلس الإسكندري).
  • في التجربة (الإغراء) الاخيرة، يغير الشيطان خططه،لكن يسوع يبقى صادقا لشخصه وطبيعته التي لاتتغير (مار افرام السرياني).
  • اسِتُدرِج آدم بالطعام، وهنا شعب إسرائيل يكرر خطيئة حواء، التي كانت تتوق إلى عبادة أخر بخلاف الله (القديس امبروسيوس).
  • يخاطب المزمور (91) أي إنسان، يُمنح القوة في المسيح، ليدوس على الحيات والعقارب كما وعد الرب السبعين (أوريجانوس).
  • بالرغم من أن السيد المسيح يستمر في مواجهة الشيطان من خلال خدمته، فالشيطان يصير أسدًا يزأر مرة أخرى عند الصلب (القديس أوغسطينوس).

الكنيسة في قــراءات اليــوم

إنجيــل باكـــر
وإنجيل القدّاس
ضرورة الصوم لخلاصنا
إنجيـل عشـــية
وباكر والقدّاس
حقيقة الشياطين والملائكة
إنجيــل باكـــر
وإنجيل القدّاس
السجـود لله وحـده
الكاثوليكــــون حقيقة الـدينونـة
الإبـركسيــــس إحترام رمـوز الكهنـوت – قيامة الأمـوات

أفكـار مقـتـرحـــة لعـظـات

(١) التجارب الثلاث

  • التجربة الأولي – الماديّات “ليس بالخبز وحده (الماديّات) يحيا الإنسان”
إنجيل باكـر عندما لا نشبع بكلمة الله تظلّ حياتنا مضطربة ونفتقد طعم الحياة
البولس عندما تكون الماديّات هدف نكون سبب عثرة للآخرين
الكاثوليكون عندما تحكم الكنيسة حسب الماديّات تشوّه نقاوة الإيمان

التجربة الثانية – تعظّم المعيشة وشهوة الإمتلاك “وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان”

إنجيل باكر والقـــدّاس هل نأخذ أو نمتلك أي شئ يأتي من يدّ الله أو بطرق أخرى.
الكاثوليكون أحيانا تقود كثرة الماديّات البشر إلى المحاكم والتجديف.

التجربة الثالثة – الكبرياء والذات “ألق بنفسك من ههنا إلي أسفل”

مزمور عشية

وباكر والقدّاس

التوبة المستمرّة أهم ضمان لحفظ الإنسان من الكبرياء
البولس رئيس إيماننا لم يرضِ نفسه وإحتمل التعييرات ليعلن رسم الإتضاع

 (2) النصرة في المسيح

إنجيل باكر الإمتلاء من الروح القدس هو مصدر قوة أولاد الله
إنجيل باكر والقدّاس التمسّك والإلتصاق بكلمة الله وحياة الصوم يردّ سهام العدو
البولس الفكر الواحد والبنيان الواحد علامة قـوّة الكنيسة ونصرتها
البولس والكاثوليكون رحمة الآخـريـن يعلن نقاوة الإيمان
إنجيل القدّاس وعد الله ومساندته لأولاده مصدر ثقة ورأس مال الخادم والكارز

 (3) عـوائـق النصرة

مزمورعشـــــــــــية

وباكــر والقـــــــــدّاس

غياب أو ضعف التوبة الدائمة وإلتماس وجه الله
إنجيل باكر والقـدّاس عدم التسلّح بالكلمة وغياب قوة وغني الإنجيل من حياتنا
البولس والكاثوليكون العثرات ضربة لبنيان ووحدة الكنيسة
الإبــركسيـــــــــــس المنازعات طريق الإنشقاقات في الكنائس

 

عظات آبائية لأحد التجربة

المسيح يظهر بين المصارعين وهو نفسه كإله يمنح الجائزة – القديس كيرلس الكبير[5]

لذلك، حينما يقول الإنجيلي الحكيم عنه: “أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح”، فلا تعثروا ولاتخطئوا في أفكاركم الداخلية وتحيدوا عن تعليم الحق، فيما يخص الطريق والكيفية التي بها تقدس الكلمة الذي هو الله، بل بالحري افهموا حكمة التدبير التي بسببها، هو موضوع إعجابنا، لأنه قد صار جسداً وأصبح إنساناً، لا لكي يتحاشى كل ما يخص بحالة الإنسان ويحتقر فقرنا، بل لكي نغتني نحن بما هو له، وذلك بأنه قد صار مثلنا في كل شئ ما خلا الخطية، لذلك فهو يتقدس كإنسان، ولكنه يُقَدِّس كإله، لأنه إذ هو بالطبيعة إله صار إنساناً.

لذلك يقول الإنجيلي: “وكان يُقتاد بالروح في البرية أربعين يومًا يُجرَب من إبليس”، فما هو اذاً معني كلمة يُقتاد؟ إنها لا تعني توصيله الى هناك، بقدر ما تعني إنه أقام واستمر هناك. لأننا نحن أنفسنا أيضاً اعتدنا أن نقول عن أي واحد يحيا بالتقوى، إن فلاناً أو فلاناً أيًا كان الشخص إنما يحيا حياة صالحة. ونحن نعطي لقب مُرَبِّي لا لنشير به بحسب المعني الحرفي إلى أولئك الذين يقودون الأطفال فعلاً، بل نعني أنهم يعتنون بهم ويدربونهم بطريقة حسنة جديرة بالثناء، مربين إياهم ومعلمينهم أن يسلكوا بطريقة لائقة.

إذا فهو قد أقام في البرية بالروح، أي روحياً، فإنه صام، ولم يُمنح أي طعام إطلاقاً لحاجات الجسد، ولكني أتخيل أن البعض قد يعترضون على هذا قائلين:

وما هو الضرر الذي يلحق يسوع من الإقامة الدائمة في المدن؟، وما هو الذي يفيده حتي يختار الإقامة في البرية؟، فليس هناك شئ حسن يحتاج إليه، وأيضاً لماذا هو يصوم؟، وما الذي كان يضطره أن يتعب وهو الذي لا يعرف أي إحساس بتحرك أي رغبة منحرفة؟، فنحن نمارس الصوم كوسيلة نافعة جداً نميت اللذات بواسطته ونقاوم ناموس الخطية الذي في أعضائنا، ونقتلع تلك العواطف التي تؤدي إلى الشهوة الجسدية. أما المسيح فأي حاجة له إلي الصوم؟ فهو الذي بواسطته يبيد الآب الخطية في الجسد. وبولس الإلهي إذ عرف هذا كتب: “لأن الناموس فيما كان عاجزاً عنه بسبب ضعفه بواسطة الجسد فإن الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح” (رو٨. :٣-٤). لذلك فهو الذي يميت حركات الجسد فينا نحن أنفسنا الكائنات البائسة، وقد أباد الخطية، فأي صوم يمكن أن يحتاجه فيما يخصه هو نفسه؟ إنه قدوس وغير مدنس بالطبيعة، وهو نقي تماماً وبلا عيب، وهو لا يمكن أن يحدث له ولا ظل تغيير. فلماذا إذاً جعل إقامته في البرية وصام وجُرِّبَ؟

يا أحبائي إن المسيح كمثال لنا يهتم بنا، فهو يضع أعماله أمامنا كنموذج لنا، ويؤسس مثالاً للحياة الفضلي والعجيبة التي يمكن أن تُمَارَس في وسطنا، وأنا أعني حياة الرهبان القديسين، لأنه منذ متى كان ممكنًا للناس على الأرض أن يعرفوا أن عادة السكن في الصحاري هي نافعة لهم، ومفيدة جداً للخلاص؟ لأنهم يعتزلون من أمام الأمواج والعواصف ومن الاضطراب الشديد وارتباكات هذا العالم الباطلة، وهكذا كما لو كانوا مثل يوسف المبارك، فأنهم يتجردون ويتركون للعالم كل ماهو خاص به.

وبولس الحكيم يقول شيئاً مثل هذا أيضًا عن أولئك الذين يريدون أن يعيشوا هكذا: “ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل ٢٤:٥). وهو يبين لأولئك الذين يختارون هذه الطريقة للحياة أن الإمساك ضروري، الذي ثمرته الصوم وقوة الإحتمال، والإمساك عن الطعام أو أخذ القليل منه. فإنَّه عندئذ حينما يُجرِّب الشيطان فإنه سيهُزم.

لاحظوا هذا بنوع خاص أن الرب إعتمد أولاً وإمتلأ من الروح القدس، وبعد ذلك ذهب إلى البرية ، ومارس الإمساك أي الصوم كما لو كان سلاحاً له، وهكذا إذ كان مستعداً فحينما إقترب منه الشيطان إنتصر عليه، وبذلك فقد وضع نفسه أمامنا كنموذج لنا.

فأنت، لذلك أيضاً أن تلبس أولاً سلاح الله، وترس الإيمان، وخوذة الخلاص. ينبغي أولاً أن تلبس قوة من الأعالي، أي ينبغي أن تصير مشتركاً في الروح القدس بواسطة المعمودية الثمينة، وحينئذ يمكن أن تسلك الحياة المحبوبة والمكرَّمة لدي الله، وحينئذ يمكنك بشجاعة روحية أن تسكن في الصحاري، وحينئذ تحفظ الصوم المقدس وتميت الأهواء وتهزم الشيطان حينما يجربك، لذلك فإننا في المسيح قد حصلنا علي كل الأشياء…

ياللعجب فإنه يظهر بين المصارعين وهو نفسه كإله يمنح الجائزة، يظهر بين أولئك الذين يلبسون إكليل النصر، وهو الذي يكلل هامات القديسين.

لذلك فلننظر ولنلاحظ مهارته في مصارعته وكيف هزم خبث الشيطان وشره، فحينما قضي أربعين يوماً صائماً فإنه جاع أخيراً ولكنه هو نفسه يعطي الجياع طعاماً، وهو نفسه الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم، وهو الذي به تقوم كل الأشياء. ولكن من الجهة الأخرى، بسبب أنه كان من الضروري لذلك الذي لم يرفض فقرنا، أن لا ينسحب من أي شئ يخص حالة الإنسان، لذلك فقد وافق أن يحتاج جسده للمؤونة الطبيعية. وهذا هو السبب للقول “أنه جاع” ولكنه مع ذلك لم يَجُع إلا بعد أن صام مدة كافية، وبقوته الإلهية قد حفظ جسده من الخوار، رغم امتناعه عن الطعام والشراب، لكي يسمح لجسده أن يشعر بالإحساسات الطبيعية كما هو مكتوب “إنه جاع”. ولأي سبب هذا؟ لكي بمهارة بواسطة الاثنين[6]، فإنَّ ذلك الذي هو إله وإنسان معاً في نفس الوقت يمكن أن يُعرَف بهاتين الصفتين في نفس الشخص الواحد: أي اعلي مِنَّا بطبيعته الإلهية، ومساوٍ لنا في بشريته.

 

الحرب الروحية – القديس مقاريوس الكبير[7]

الانسان المسيحي يخوض معركتين، معركة داخلية وأخري خارجية:

  • المعركة الخارجية هي في ابتعاده عن الإرتباكات العالمية،
  • وأما المعركة الداخلية فتحدث في القلب ضد إيحاءات أرواح الشر.

 الحرب الخارجية والحرب الداخلية

١- الإنسان الذي يريد حقيقة أن يرضي الله، ويكون معادياً حقاً للعدو الشرير، ينبغي أن يقاتل في معركتين:

  • معركة منهما تكون في الأمور المنظورة لهذه الحياة، وذلك بأن يتحول تماماً ويبتعد من الإرتباكات الأرضية، ومحبة الإرتباطات العالمية ومن الشهوات الخاطئة.
  • والمعركة الأخرى تحدث في الداخل – في الخفاء ضد أرواح الشر نفسها، كما يقول الرسول: “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف٦: ١٢).

نوعان من القيود:

٢- فالإنسان حينما تعدى الوصيَّة وطرد من الفردوس، صار مقيداً من ناحيتين، وبقيدين مختلفين:

  • أحد هذين القيدين كان عن طريق هذه الحياة، أي في اهتمامات المعيشة ومحبة العالم، أعني محبة اللذات الجسدية والشهوات، ومحبة الغنى والعظمة والمقتنيات والزوجة والأولاد، والأقرباء والأهل والبلد، والأمكنة الخاصة، والملابس وكل الأشياء الأخرى المتصلة بالحواس، والتي تحثه كلمة الله على أن ينفك منها باختياره، (حيث أن ما يربط أي انسان بكل أمور الحواس إنما يكون باختياره ورضاه)، حتي إذا تحرر من كل هذه الإهتمامات يستطيع أن يحفظ الوصيَّة حفظاً كاملاً.
  • والى جانب هذا الرباط – ففي كيان الإنسان الداخلي، تكون النَّفس محاصرة بسياج ومربوطة بقيود الظُّلمة من أرواح الشر، فيكون الإنسان غير قادر أن يحب الرب كما يريد، أو أن يؤمن كما ينبغي، أو أن يصلي كما يرغب. فمن كل ناحية توجد مقاومة سواء في الأمور المنظورة والظاهرة أو في الأمور الخفية غير المنظورة، وهذه المقاومة قد نتجت وصارت فينا من سقوط الإنسان الأول.

قبول الكلمة واكتشاف الحرب الداخلية:

٣- لذلك فحينما ينصت أي انسان لكلمة الله ويقبلها، ويدخل في المعركة ويلقي عنه اهتمامات هذه الحياة ورباطات العالم وينكر كل اللذات الجسدية ويتحرر منها، فبعد ذلك إذ يلازم الرب وينتظره بمثابرة في الصلاة وبمداومة، فإنه يصير في وضع يمكنه من أن
يكتشف وجود حرب أخرى في داخل قلبه، إنه يكتشف مقاومة خفية وحرب أخرى مع إيحاءات أرواح الشر وتنفتح أمامه معركة أخرى.

وهكذا بوقوفه ثابتاً صارخاً إلى الرب يإيمان لا يتزعزع وصبر كثير، منتظراً الحماية والمعونة التي تأتي منه، فإنه يستطيع أن يحصل من الرب على حرية داخلية من القيود والسياجات والهجمات وظلام أرواح الشر التي تعمل في مجال الشهوات والأهواء الخفية.

نعمة الله تبطل الحرب تماماً:

٤- ولكن هذه الحرب تبطل وتنتهي تماماً بنعمة الله وقوته. فلا يستطيع إنسان بنفسه، أن ينقذ نفسه بقوته الخاصة من مقاومة وغوايات الأفكار والشهوات الداخلية وحيل الشر.

أما إذا كان الإنسان مربوطاً بالأمور المادية الحسية التي لهذا العالم، وواقعاً في شرك الرباطات الأرضية المتنوعة ومنساقاً بشهوات الشر، فإنه لا يستطيع حتي أن يكتشف وجود معركة أخرى، وأن هناك حرب تدور في داخل نفسه.

فالإنسان حينما يدخل المعركة ويتحرر من الرباطات العالمية الخارجية، ويحل نفسه من الأمور المادية ولذات الجسد، ويبتديء أن يتعلق بالرب ويلتصق به، مفرغاً نفسه من هذا العالم، فإنه حينئذ يستطيع أن يرى ويكتشف حرب الشهوات والأهواء الداخلية التي تحدث في باطنه. ويصير واعياً وعارفاً بهذه الحرب الداخلية، وحرب الايحاءات الشِرّيّرة.

وكما قلت سابقاً، فإنه إذا لم يناضل وينكر العالم ويتحرر من الشهوات الأرضية بكل قلبه، ويشتهي ويصمم بكل نفسه أن يصير ملتصقاً كلية بالرب، فإنه لا يكتشف ويعرف خداع أرواح الشر الخفي وشهوات الشر الخفية. ويظل غريباً عن نفسه ولا يعرف أنه مجروح من الداخل، وأن فيه شهوات خفية، وهو لا يدري بها. لأنه لا يزال مربوطاً بالأشياء الخارجية ومتعلقاً بأمور هذا العالم وارتباكاته برضاه وموافقته.

نوال السلاح السَّماويّ والانتصار:

٥- ولكن الإنسان الذي رفض العالم حقاً وطرح عنه ثقل هذه الأرض وألقى عنه الشهوات الباطلة الجسدية، وشهوات المجد والسلطان والكرامات البشرية وابتعد عنها جميعا بكل قلبه – (حيث أن الرب يعطيه النعمة والمعونة سراً في هذا الصراع المستمر، حتي أنه يتنكر للعالم تماماً) – ووضع في قلبه بثبات أن يخدم الرب ويعبده ويلتصق به بكل كيانه، جسداً ونفساً، مثل هذا الإنسان، أقول، إنه يكتشف وجود المقاومة، أي الأهواء الخفية والقيود غير المنظورة والحرب الخفية – أي المعركة والصراع الداخلي، وهكذا اذ هو يتوسل إلى الرب، فإنه ينال السلاح السَّماويّ: سلاح الروح القدس، الذي وصفه الرسول المبارك بقوله: “درع البر، وخوذة الخلاص، وترس الايمان، وسيف الروح” (أف٦: ٤). واذ يتسلح بهذه الأسلحة فإنه يستطيع أن يقف ضد خداعات إبليس، حتي رغم كونه محاطاً بالشرور.

وإذ قد سلح نفسه بهذا السلاح بكل صلاة ومواظبة وطلبة وصوم مع إيمان، فإنه يصير قادراً أن يحارب ضد الرئاسات والسلاطين وولاة ظلمة هذا العالم، وهكذا بانتصاره على القوات المعادية بمساعدة الروح القدس، مع سعيه وغيرته في كل فضيلة، فإنه يكون معداً للحياة الأبدية، ممجداً للآب والابن والروح القدس الذي له المجد والقدرة إلى الأبد آمين.

 

المسيح حارب عنا وغلب – القديس أغسطينوس[8]

المسيح حارب عنا وغلب: 

  • هذه الأمور الثلاثة موجودة ولا يمكن أن يُختَبَر الطمع البشري والجشع بغير هذه الأشياء: شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. وهذه الثلاثة تعرض لها الرب حين جربه الشيطان. (مت٤: ١- ١٠).

تعرض الرب للتجربة بشهوة الجسد حين قيل له: “إن كنت ابن الله فقل أن تصير الحجارة خبزاً” حين جاع بعد الصوم الطويل.

ولكنً بأي طريق قد صَدَّ الرب المُجرِّب وعلم جنوده فنون الحرب؟ 

لاحظوا ماذا قال له: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.

وتعرض أيضا لتجربة شهوة العيون التي تتعلق بصنع المعجزات حين قال له: “إطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب أنه يرسل ملائكته ليحملونك على أيديهم لئلا تصدم بحجر رجلك” وقد قاوم الرب المجرب ولم يصنع المعجزة، لأنه لو صنعها لكان يبدو أنه أذعن للشيطان، أو صنعها كنوع من لفت النظر. ولكن الله يصنع حين يشاء لكي يشفي الضعفاء، لأنه لو كان قد صنع المعجزة هنا لكان يُظَن أنه يريد فقط عمل المعجزة. ولئلا نظن ذلك، لاحظوا كيف أجاب حتي حين تتعرضون لتجربة مشابهة تجيبون بنفس الكلمات: “إذهب عني يا شيطان لأنه مكتوب لا تجرب الرب الهك”أي إنني إذا فعلت ذلك أكون كمن يجرب الله ..

لقد قال ما يريد أن تقولوه أنتم (أمام التجربة).

قد يعرض العدو عليكم ذلك ويقول: أي نوع من الرجال أنت؟ .. أي نوع من المسحيين أنت؟ إنك لم تصنع معجزة واحدة، صلِ لكي تقيم الموتى، صلِ لكي تخرج الشياطين!.

إذا تعرضت لهذه التجربة في أي لحظه أجب وقل: “مكتوب لا تجرب الرب الهك” لذلك سوف لا أجرب الرب إلهي كما لو أنني أكون فقط من خاصته حين أصنع المعجزات ولا أكون من خاصته إذا لم أصنع معجزة وما معني كلماته، إذاً “إفرحوا أن أسماءكم مكتوبة في السموات”؟.

كيف تجرب الرب بتعظم المعيشة؟ 

حين أخذه ابليس إلى مكان عالٍ وقال له. “أعطيك كل هذه إن خررت وسجدت لي” أراد الشيطان أن يُجرِب ملك العالم كله بمجد وعظمة هذا العالم الأرضي ولكن الرب خالق السماء والأرض سحق الشيطان تحت أقدامه.

ما هي الفائدة العظيمة التي عادت علينا من نصرته على الشيطان؟ 

لقد أراد بإجابته أن يعلمنا ما يجب أن نعمله، مكتوب للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد.

إذا تمسكت بهذا لن تبق فيك رغبة ملحة أو شهوة جامحة نحو العالم.

وإذا ذهبت من حياتك شهوة العالم فسوف لا تتعرض للتجربة بشهوة الجسد أو شهوة العيون وتعظم المعيشة.

بذلك سوف تفسح مكاناً للمحبة الأخوية حين تأتي إلى قلبك فيمكنك أن تحب الله. لأنه إذا كانت محبة العالم موجودة فإن محبة الله لا يمكن أن تتواجد. تمسك بقوة محبة الله لأن الله يبقي إلى الأبد لكي تبقي معه إلى الأبد.

لأن مثل كل إنسان هكذا تكون محبته.

هل تحب الأرض؟! سوف تصير إلى الأرض.

هل تحب الله؟ ماذا أقول؟ هل تصير إلهاً؟!

ما كان يجب أن أتجرأ لأقول ذلك من عندي لولا قول الكتاب: “أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم” (مز ٨٢: ٦).

“لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم (من الناس، من الذين يحبون العالم) والعالم يمضي وشهوته أما من يصنع إرادة الله فيثبت إلى الأبد”.

 

نصرتي في المسيح – القديس أمبروسيوس[9]

لنتأمَّل كيف طُرد آدم الأول من الفردوس، ولنعرف كيف رجع آدم الثاني من البرِّيَّة إلى الفردوس، ولنتأمَّل أيضًا كيف تمَّ الإصلاح وبأي ترتيب حدث.

وُلد آدم من أرض بكر، ووُلد المسيح من العذراء (البكر)،

خُلق آدم على صورة الله، أما المسيح فهو صورة الله (الجوهريَّة).

كان للأول سلطان على كل الحيوانات غير العاقلة، أما الثاني فله سلطان على كل شيء.

اتَّصفَت حواء بالتردُّد، واتَّصفت العذراء بالحكمة.

جاءت الشجرة بالموت، وجاء الصليب بالحياة.

كان الأول في الفردوس، أما المسيح فكان في البرِّيَّة، لكنه جاء ليبدِّد ضلال المحكوم عليه ويردُّه للفردوس…

لم يكن ممكنًا أن يتراجع الله عن حُكمه، فتمَّ حُكم الموت في واحد عوض الآخر.

إن كان آدم قد سقط وهو في الفردوس لعدم وجود الراعي، فكيف كان يمكنه أن يجد الطريق وهو في البرِّيَّة بلا راعٍ يقوده؟ ففي البرِّيَّة تكثر التجارب… ويسهل الانحدار نحو الخطيَّة…

أي راع يستطيع أن يعيننا أمام فِخاخ هذه الحياة وخِداعات إبليس “لكي نجاهد ليس ضد لحم ودم، بل ضد الرؤساء والسلاطين وأجناد الشر الروحيَّة في الهواء” (أف ٦: ١١)؟! هل يُرسل الله ملاكًا وقد سقط بعض الملائكة…؟! هل يرسل ساروفًا، هذا الذي نزل على الأرض وسط شعب نجس الشفتين (اش ٦:٦)، لم يُطهِّر سوى شَفتيّ نبي واحد بجمرَّة من نار؟!

إذن كان يلزم البحث عن راعٍ آخر نتبعه جميعنا؛ فمن هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع أن يهيئ الخير للجميع إلا ذاك الذي هو أعلى من الكل؟! من يرفعني فوق هذا العالم إلا مَن هو فوق العالم؟! من هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع بقيادة واحدة يرعى الرجل والمرأة، اليهودي واليوناني، أهل الختان وأهل الغُرلة، البربري والسكِّيثي (كو ٣ : ١١)، العبد والحر، إلا ذاك الذي هو الكل في الكل؟!

الفخاخ كثيرة أينما ذهبنا، فخاخ الجسد، وفخاخ الناموس (حرفيَّته)، والفخاخ التي ينصبها إبليس على جناح الهيكل وعلى قمَّة الجبل، وفخاخ الفلسفات، وفِخاخ الشهوات، لأن العين الزانية هي فخْ الخاطئ (أم ٧: ٢٢)، وفِخاخ محبَّة العالم، وفِخاخ التديُّن (الرياء)، وفِخاخ في حياة الطهارة (احتقار سرّ الزواج)… غير أن أفضل طريقة تحطِّم هذه الفِخاخ هو عرض طُعم لإبليس لينقَضْ على فريسته فينطبق الفخْ عليه، عندئذ نستطيع أن نردِّد: “نصبوا لرجلي فخاخًا فسقطوا فيها” (مز٥٦: ٧). ما هذا الطُعم إلا الجسد… فقد أخذ الرب جسد تواضعنا وضعفنا، ليُعطي فرصة للعدو أن يحاربه فينهزم العدو إبليس…

الآن المسيح في البرِّيَّة يقود الإنسان ويعلِّمه ويشكِّله ويدرِّبه ويدهنه بالمسحة المقدَّسة، وعندما يراه قويًا يقوده إلى المراعي الخضراء المخصبة… أخيرًا يقوده إلى البستان أثناء الآلام، كما هو مكتوب: “تكلَّم يسوع بهذا ثم خرج مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث كان بستان دخله مع تلاميذه” (يو١٨ : ١)… أخيرًا فإن إرجاع الإنسان بقوَّة الرب تؤكِّد لنا هذه الحقيقة التي أبرزها القدّيس لوقا بين كل البشريِّين، بتلك الكلمات التي قالها الرب للِّص: “أنك اليوم تكون معي في الفردوس” (لو٢٣: ٤٤).

ينكشف لنا من هذه التجربة أن لإبليس ثلاثة سهام اعتاد أن يستخدمها ليجْرح قلب الإنسان: شهوة الأكل، المجد الباطل، الطمع! (يبدأ من حيث اِنتصر إبليس) هكذا تبدأ نُصرتي في المسيح من حيث غلبني إبليس في آدم…

يقول: “إن كنتَ ابن الله“، فقد كان إبليس يعلم تمامًا أنه ينبغي أن يأتي ابن الله، لكنه لم يكن يعتقد أنه يأتي في ضعف، لهذا أراد أن يتأكَّد ثم يُجرِّبه بعد ذلك…

انظروا أسلحة المسيح التي بها اِنتصر من أجلكم وليس لأجل نفسه، فإنه قادر أن يحوِّل العناصر (كما في عرس قانا الجليل)، لكنه يعلِّمنا ألا نطيع إبليس في شيء، ولا لإظهار قوَّتَك. لنعرف أيضًا من هذه التجربة مهارة إبليس الخادعة فهو يجُرِّب ليتأكَّد من الحقيقة ليخترق الإنسان ويُجرِّبه… ولم يستخدم الرب سلطانه كإله وإلا فإننا لم نكن نجني فائدة، إنما استخدم الإمكانيَّة العامة وهي استخدام كلام الله.

لما سمع إبليس اسم “الله” فارقه إلى حين، إذ جاء بعد ذلك لا ليُجربه وإنما ليُحاربه علانيَّة. والكتاب المقدَّس يُعرِّفك أنك في حرب ليس مع لحم ودم بل مع السلاطين والرؤساء مع أجناد الشر الروحيَّة (أف ٦: ١٢).

اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح.

يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (٢تي٢:٥). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت٧: ١٣).

يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة…

المُضل يُكثر من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه…

إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد…!

أُلقى يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته.

 

لماذا لم يستبعد الشيطان – القديس يوحنا ذهبي الفم[10]

لسنا نردد هذا الحديث عن الشيطان لأننا نحبه أو نستعذبه، إنما لأن في هذا التعليم أمان كامل لحياتكم، فهو عدو وغريم، وسلامكم وأمانكم يكمن في معرفتكم الصحيحة لحيل أعدائكم.

لا يجبرك علي الهزيمة

لقد قلنا قبلاً إنه لا يهزمنا بالقوة أو بطغيان أو بالإجبار أو العنف، وألا لدُمَّرت البشرية كلها، وقد أثبتنا هذا من حادثة الخنازير (مت٨: ٣١) التي لم تستطيع الشياطين أن تدخل فيها إلا بعد استئذان السيد.

أما بالنسبة لقطعان أيوب، فلم تجرؤ الشياطين على إهلاكها إلا بعد أن أخذوا سلطاناً من فوق.

لقد علمنا أولاً أن إبليس لا يهزمنا عنوة أو بالعنف، وأضفنا أيضاً إنه حتي عندما يهزم ويغلب بخداعه، فإنه لا يسيطر علي البشر جميعهم. ثم أوردنا قصة أيوب المناضل، الذي
وُضِعَ وسط حيل لا حصر لها، ومع هذا لم يسيطر عليه إبليس، بل انسحب منه منهزماً مغلوباً على أمره.

لماذا لا يستبعد الشيطان؟

والآن بقي لنا سؤال واحد … إذ قد يقول قائل: إن كان الشيطان لا يتغلب علينا جبراً بل بالمكر والخداع، أما كان من الأفضل أن يهلك؟ فإن كان أيوب قد هزم قوة إبليس، إلا أن آدم خُدِعَ وطرد خارجاً. فلو أن إبليس قد طُرح خارجاً، واستُقصيَ بعيداً عن العالم، لما سقط آدم وطُرد، ولكن إبليس باقٍ الآن، وإن كان يغلبه واحد، إلا إنه هو يغلب كثيرين. يصرعه عشرة، أما هو فيصرع عشرة آلاف. فلو أن الله طرحه خارجاً عن العالم، لما هلك هؤلاء العشرة آلاف. فماذا نقول عن هذا؟!.

١- كرامة الغالبين أعظم من خزي المغلوبين

أولاً: نقول إن الذين غلبوا إبليس لهم كرامة أفضل بكثير من المغلوبين، حتي ولو كان المغلوبون كثيرين والأولون قليلين، إذ يقول: “(ولد) واحد يتقي الرب خير من ألف منافقين” (سي١٦: ٣).

٢- أذى المغلوبين كسلهم وليس الشيطان

ثانياً: لو استبعد الشيطان من العالم، تُجرح كرامة المنتصرين. لكن لو تُرك الشيطان، فإن الكسالى وذوي البطر لا يتأذون على حساب المتيقظين، إنما بسبب بطرهم وكسلهم. بينما لو استبعد الشيطان عن العالم، فإن المتيقظين يُغبنون على حساب المتهاونين، حيث لا تظهر قوتهم ويحرمون من الإكليل.

لعلكم لم تفهموا بعد ما قلته، لهذا يلزمني أن أكرر القول موضحاً لذلك.

لنفرض أن عدواً يصارع اثنين في حلبة المصارعة، واحداً منهما أنهكه النهم وعدم الاستعداد، مما جعل قوته تخور ويفقد أعصابه، أما الآخر فقد كان يقظاً له عادات حسنة يقضي زمانه في التدرب على تمارين كثيرة في مدرسة المصارعة. فلو سُحب العدو من وسط الحلبة، مَنْ مِنْ الاثنين يصيبه الأذى؟ من يكون ضحية؟ الإنسان المُتكَاسِل غير المستعد، أم الغيور المجاهد كثيراً؟! من الواضح أن هذا الأمر يؤذي الغيور المجاهد ويضايقه. لأن المجاهد يُغبن بانسحاب العدو، أما المتكاسل فلا يصيبه أذى، لأن تكاسله هو سبب سقوطه.

٣- تهاون الإنسان جعل الشيطان يُدعي مضللاً

هنا أيضاً أتعرض لتوضيح آخر حتي نتعلم أن التراخي والكسل هما اللذان يصرعان غير المنتبهين وليس إبليس … إنما هو يسمح لإبليس لكي يفرط في الشر، ليس (كأمر طبيعي) بل حسب الاختيار (أي قبولنا شره). فإبليس ليس طبيعياً (إلزامياً) مضر، إنما كما هو واضح من أسمائه، إذ يُدعَي “المضلل”.

لقد أساء إلى سمعة الإنسان أمام الله، قائلاً: “هل مجاناً يتقي أيوب الله … ولكن أبسط يدك الآن، ومس كل ما له، فإنه في وجهك يجدف عليك” (أي١: ٩- ١١).

ولقد ضلل إبليس أيضاً عندما قال: “نار الله سقطت من السماء فأحرقت الغنم” (أي١: ١٦). إنه كان يحاول إقناع أيوب بأن هذه المصائب نازلة عليه من السماء من فوق، واضعاً العثرات بين السيد الرب وعبده. وهكذا حاول إبليس، لكنه فشل!

إنه في حالة نجاحه في محاولته مع آدم، وتصديق آدم لتضليله ينبغي ألا يُفهم أن انتصار إبليس وقوته يعودان إلى طبيعته، بل إلى كسل الإنسان وإهماله، لهذا دُعي إبليس.

إن التضليل وعدمه ليس أمراً طبيعياً، بل قد يحدث أو لا يتم حدوثه، دون أن يصل الأمر إلي درجة “الطبيعية”.

إن موضوع الأمور الطبيعية والأمور العارضة، موضوع يصعب على الكثيرين فهمه، ولكن هناك من ينصت إلينا بفهم، إلى هؤلاء نتحدث.

إننا نعرف بأنه ليس اسم من أسمائه أطلق عليه بالطبيعة، فقد دُعي “الشرير” لكن شرُّه ليس أمراً طبيعياً بل باختياره.

لم يكن منذ البداية هكذا، بل جلب الشر لنفسه، لذلك دُعي أيضاً “الجاحد” …

هل نستبعد الخليقة الجميلة أيضاً ؟

لنترك الحديث عن إبليس الآن وننظر إلى الخليقة، حتي نعلم أن إبليس ليس هو السبب في آلامنا لو أخذنا حذرنا منه، وحتي نعرف أن ضعيفي الإرادة وغير المستعدين والكسالي يسقطون حتى ولو لم يوجد إبليس ويسقطون بأنفسهم في أعماق الشر …

الكل يعرف – كما قلت – أن إبليس شرير، ولكن ماذا نقول عن الخليقة الجميلة والعجيبة؟! هل الخليقة شريرة أيضاً؟ من هو هذا الشرير والغبي الذي يجرؤ ويدين الخليقة؟!

الخليقة جميلة، وهي علامة حب الله وحكمته وقوته. لنستمع إلى النبي الذي يتعجب، قائلاً: “ما أعظم أعمالك يا رب .. كلها بحكمة صُنعت” (مز١٠٤: ٢٤). وقد مر النبي على الخليقة واحدة تلو الواحدة في دهشة. وأمام حكمة الله غير المنظورة تراجع قائلاً: “فإنه بعظم جمال المبرءات يبصر ناظرها على طريق المقايسة” (حك١٣: ٥).

ولنستمع إلى القدِّيس بولس الرسول الذي يقول: “لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية” (رو١: ٢٠). فكل شيءٍ من أمور هذه الخليقة – كما يقول الرسول – تقودنا إلى معرفة الله.

والآن إن رأينا نفس هذه الخليقة الجميلة والعجيبة تصير سبباً لشر الإنسان، فهل نلومها؟ حاشا. بل نلوم أولئك الذين لم يستطيعوا استخدام الدواء استخداماً صائباً.

إذاً متي تصبح الأمور التي تقودنا إلى معرفة الله علة شرنا؟ يقول الرسول: إن الحكماء

“حمقوا في أفكارهم … وعبدوا المخلوق دون الخالق” (رو١: ٢١- ٢٥). لم يأتِ ذكر إبليس هنا، بل وضعت أمامنا الخليقة كمُعَلِّمة لنا عن حكمة الله، فكيف صارت علة شر؟! هذا طبعاً لا يرجع إلى طبيعتها، بل إلي إهمال الذين يحترسون لأنفسهم. لأنه ماذا يقول؟ هل ننزع الخليقة أيضاً؟!

وهل نستبعد أعضاءك أيضاً ؟

لنترك الخليقة ونأتي إلى أعضائنا، فحتي هذه نجدها سبباً في هلاكنا، إذا لم نأخذ حذرنا. وهذا ليس عن طبيعة الأعضاء، بل بسبب تراخينا أيضاً.

لقد وُهبنا عيوناً نعاين بها الخليقة، فنمجد السيد الرب. ولكن متي أسأنا استخدامها، تصير خادمة للزنا.

وقد أُعطينا اللسان لنُعلِّم حسناً، ونُسَبِّح الخالق، فإذا لم نحترز لأنفسنا، يصير علة تجديف.

وأُخذنا الأيدي لنرفعها في الصلوات، ولكننا إذاً لم ننتبه، نجدها تعمل في الطمع والجشع.

ووُهبنا الأقدام لتسير في الصلاح، وبإهمالنا تتسبب في أعمال شريرة.

إن كل الأشياء تؤذي الإنسان الضعيف، حتي أدوية الخلاص (بالنسبة للرافضين إياها) تسبب له موتاً … لا بسبب طبيعة الدواء، بل بسبب الضعف.

خلق الله السموات لنعجب من أعماله، ونعبد الرب. لكن آخرون تركوا الخالق وعبدوا السماء. وعلة هذا إهمالهم وجمودهم.

حتي الصليب عند الهالكين جهالة

بالتأكيد لا يوجد شيء يؤدي بِنَا إلى الخلاص أكثر من الصليب. لكن هذا الصليب صار جهالة للهالكين: “لأن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله” (١كو ١: ٨).

 

النصرة للقديس أثناسيوس الرسولي

لقد جاء الرب ليطرد الشيطان ويطهِّر الهواء منه، مهيئًا الطريق إلى السماء

الآن يا أحبائي قد ذُبح الشيطان، ذاك الطاغية الذي هو ضد العالم كله… لا يعود يملك الموت، بل تتسلط الحياة عوض الموت، إذ يقول الرب: “أنا هو الحياة” (يو ١٤ : ٦) ، حتى امتلأ كل شيءٍ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب: “الرب قد ملك فلتفرح الأرض”… الآن إذ بطل الموت وتهدمت مملكة الشيطان امتلأ الكل فرحًا وسعادة.

* إن كان الشيطان عدو جنسنا قد سقط من السماء وتحوّل إلى مجالنا السفلي، فقد صار له سلطان على الأرواح زملائه الذين يستخدمهم كأتباعه يعملون بالخداعات لأجل المعصية. لا يعملون فقط في الذين ينخدعون، وإنما يحاولون إعاقة المرتفعين إلى فوق، وكما يقول الرسول: “حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية” (أف ٢ : ٢) ، لقد جاء الرب ليطرد الشيطان ويطهِّر الهواء منه، مهيئًا الطريق إلى السماء وذلك “بالحجاب أي جسده” (عب ١٠ : ٢٠). كقول الرسول: أي نوع من الموت يقدر أن يحقق هذا، إلاَّ الموت الذي يتم في الهواء، أقصد بالصليب…! لقد لاق جدًا أن يحتمل الرب هذا الموت، فبرفعه (على الصليب) طهر الهواء من شر إبليس وكل أنواع الشياطين، إذ يقول: “رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء” (لو ١٠ : ١٨) ، بهذا صنع افتتاحًا جديدًا لطريق السماء، إذ يقول أيضًا: “ارفعوا أبوابكم أيها الرؤساء ولترتفع الأبواب الدهرية” (مز ٢٤: ٧ السبعينية). فإن الكلمة لم يكن في حاجة إلى فتح الأبواب إذ هو رب الكل، ولا يُغلق شيء من أعماله أمامه، إنما نحن الذين في حاجة إلى فتح الأبواب، إذ حملنا في جسده. لقد قدم الموت لحسابنا، ممهدًا لنا الطريق إلى السماوات.

لأن الرب تلامس مع كل جزء من الخليقة وحررها وأعتقها من كل خداعات الزيف والوهم كما يقول القديس بولس إذ جرد بنفسه الرياسات والقوات، ظافرًا بهم على الصليب. حتى لا ينخدع أحد بعده بل يجد في كل مكان كلمة الله الحقيقي

على الرغم من كثرة افتخار (إبليس) في الكلام والوقاحة، قبض عليه المخلص بصنارة كتنينٍ عظيمٍ (أي ٤١ : ١) ، وكدابة وُضع الرسن في فكيها، وكهارب أوثق منخره بخطام، وثقب شفتيه ببرة (أي ٤١ : ٢) ، فأوثقه الرب كعصفورٍ حتى نسخر منه (أي ٤١ : ٥) ، ومعه الشياطين رفقائه كالحيات والعقارب (لو ١٠ : ١٩) كي نسحقها وندوسها تحت أقدامنا.

المرجع : تفسير سفر أيوب إصحاح ٤١ – القمص تادرس يعقوب ملطي

النصرة للقديس يوحنا كاسيان

لنتعلَّم في كل شيء أن نشعر بضعفنا الطبيعي، وفي نفس الوقت ندرك معونته، فنقول مع القدِّيسين:

“دحرتني دحورًا لأسقط، أمَّا الرب فعضَّدني. قوتي وتسبحتي الرب، وقد صار لي خلاصًا” (مز ١١٨ : ١٣ – ١٤).

“لولا أن الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت، إذ قلت قد زلّت قدماي فرحمتك يا رب تعضدني” (مز ٩٤ : ١٧ – ١).

ناظرين أيضًا أن قلوبنا تتقوَّى في مخافة الرب وفي الصبر، فنقول: “وكان الرب سندي، أخرجني إلى الرحب” (مز ١٨ : ١٨ – ١٩).

وإذ نعلم أن المعرفة تنمو بالتقدُّم في العمل، نقول: “لأنَّك تضيء مصباحي أيُّها الرب، يا إلهي أنر ظلمتي، لأنَّه بك أخلص من التجربة وبك أتحصَّن”. حينئذ نشعر نحن أنفسنا بالانتماء إلى الشجاعة والصبر ونسير في طريق الفضيلة مباشرة وبسهولة عظيمة وبغير جهد، فنقول: “إنَّه الله الذي يمنطقني بالقوَّة ويجعل طرقي كاملة، الذي يجعل قدميَّ كقدميّ الإيل، ويجلسني في الأعالي، ويعلِّم يديَّ الحرب”.

نملك أيضًا روح التمييز، فنتقوَّى بذاك الذي به نستطيع أن نقهر أعدائنا، ونصرخ إلى الله: “تأديبك جاء عليَّ إلى النهاية، وسوف يعلِّمني تأديبك، توسِّع خطواتي تحتي فلم تتقلقل عقباي، ولأنِّي أنا هكذا أتقوَّي بمعونتك وقوَّتك”.

بجسارة أقول هذه الكلمات: “أتبع أعدائي فأدركهم، ولا أرجع حتى أفنيهم. أسحقهم فلا يستطيعون القيام، يسقطون تحت رجليَّ” (مز ١٨ : ٣٧ – ٣٨).

مرة ثانية نراعي ضعفنا الخاص وندرك هذه الحقيقة أنَّه بينما نظل مثقَّلين بالضعف الجسدي لا نستطيع بدون معونته أن نغلب مثل هؤلاء الأعداء (خطايانا)، فنقول: “بك سوف نشتِّت أعدائنا”، “باسمك ندوس القائمين علينا، لأنِّي علي قوسي لا أتَّكل، وسيفي لا يخلِّصني، لأنَّك أنت خلَّصتنا من مضايقينا، أخزيت مبغضينا” (مز ٤٤ : ٦ – ٨) ، لكن فضلًا عن ذلك: “تمنطقني بقوَّة للقتال، تصرع تحتي القائمين عليَّ، وتعطني أقفية أعدائي ومبغضي أفنيهم” (مز ١٨ : ٣٩ – ٤٠).

إذ نتأمَّل أنَّنا بأسلحتنا الخاصة لا نستطيع أن نغلب، نقول: “امسك مجنًا وترسًا وانهض إلى معونتي، أشرع رمحًا وصد تلقاء مطاردي. قل لنفسي: خلاصكِ أنا” (مز ٣٥ : ٢ – ٣).

“وتجعل يدي كسهمٍ من نحاس، وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضِّدني” (مز ١٨ : ٣٥).

“آباؤنا ليس بسيفهم امتلكوا الأرض، ولا ذراعهم خلَّصتهم، لكن يمينك وذراعك ونور وجهك، لأنَّك رضيت عنهم” (مز ٤٤ : ٤ – ).

أخيرًا بعقل مملوء غيرة نتأمَّل في كل بركاته بالشكر، فنصرخ إليه بمشاعر قلبيَّة عميقة لأجل كل هذه الأمور، لأنَّنا قاتلنا وأخذنا منه نور المعرفة وضبط النفس والتمييز (الفطنة)، ولأنَّه زودنا بأسلحته الخاصة، ومنطقنا بالفضيلة وجعل أعداءنا يهربون من أمامنا، وأعطانا القوَّة أن نحطِّمهم ونجعلهم كالرماد أمام الريح. “أحبَّك يا رب يا قوَّتي، الرب صخرتي ومنقذي، إلهي صخرتي به اَحتمي، ترسي وقرن خلاصي وملجأي، أدعو الرب الحميد فأتخلَّص من أعدائي ” (مز ١٨ : ٢ – ٤)

تفسير سفر التثنية إصحاح ٢٠ – القمص تادرس يعقوب ملطي

النصرة للأب أفراهاط

لنضع على رؤوسنا خوذة الخلاص، لكي لا نُجرح ونموت في المعركة. لنمنطق أحقاءنا بالحق، فلا نوجد ضعفاء في القتال.

لنقم ونوقظ المسيح، فيهدئ الأمواج عنا.

لنأخذ الترس تجاه الشرير، كاستعدادٍ لإنجيل مخلصنا (أف ٦ : ١٥ ، ١٦). لنقبل من ربنا السلطان أن نسود على الحيات والعقارب (لو ١٠ : ١٩). لنفرح في رجائنا في كل وقتٍ (رو ١٢ : ١٢) ، حتى يفرح بنا ذاك الذي هو رجاؤنا ومخلصنا…

لنأخذ لأنفسنا سلاحًا للمعركة (أف ٦ : ١٦) ، هو الاستعداد للإنجيل. لنقرع باب السماء (مت ٧ : ٧) ، فيُفتح أمامنا وندخل فيه. لنسأل الرحمة باجتهاد، فننال ما هو ضروري لنا. لنطلب ملكوته وبره (مت ٦ : ٣٣). لنتأمل في ما هو فوق، في السماويات، حيث المسيح صاعد وممجد. لكن لننسَ العالم الذي هو ليس لنا، حتى نبلغ الموضوع الذي نحن مدعوون إليه.

لنرفع أعيننا إلى العلا، لنرى الضياء المتجلي. لنرفع أجنحتنا كالنسور، لنرى حيث تكون الجثة (مت ٢٤ : ٢٨)…

عدونا حاذق يا عزيزي، ومحتال ذاك الذي يقاتلنا. يُعد نفسه للهجوم على الشجعان الظافرين، ليجعلهم ضعفاء. أما الواهون الذين له فلا يحاربهم، إذ هم مسبيون مُسلمون إليه.

من له جناحان يطير بهما عنه، فلا تبلغ إليه السهام التي يقذفها نحوه؟ يراه الروحيون يحارب، ولا يتسلط سلاحه على أجسادهم. لا يخافه كل أبناء النور، لأن الظلمة تهرب من أمام النور. أبناء الصالح لا يخشون الشرير، لأنه أعطاهم أن يطأوا عليه بأقدامهم (تك ٣ : ١٥).

تفسير سفر أيوب إصحاح ٤٠ – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

عظات آباء وخدام معاصرون :

أحد التجربة – للمتنيح البابا شنودة الثالث[11]

نحن أعضاء الكنيسة المجاهدة على الأرض، نجتاز هنا فترة اختبار نتعرض فيها لحروب روحية كثيرة، شرحها القديس بولس الرسول فقال “إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم، بل.. مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف ٦: ١٢).. وقال إنها حرب تحتاج إلى “سلاح الله الكامل، لكي نقدر أن نثبت ضد مكايد إبليس” (أف ٦: ١١).

إن الله يريدنا أن ننتصر في هذه الحرب. والسماء كلها ترقب جهادنا، وتفرح إذ ترانًا غالبين.

الملائكة وأرواح القديسين في السماء، يصلون لأجلنا لكي ننتصر، “ويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب” (لو ١٥: ٧). كذلك نعمة الله تعيننا لكي ننتصر، وروح الله يعمل فينا لكي نغلب.. أما إن سقطنا وانهزمنا، فإننا بهذا نحزن روح الله القدوس الذي ختمنا به” (أف ٤: ٣٠).

الإنسان الروحي هو إنسان منتصر.

لأن روحه قد انتصرت على شهوات الجسد، وقد انتصرت في حروب الشياطين. وقد غلبت العالم والمادة. روحه تزفها الملائكة بتهليل إلى السماء، حينما تأتى ساعته.

والإنسان الروحي ينتصر، لأنه إنسان قوى، يعمل فيه روح الله بقوة. وقد صارت إرادته في تسليم كامل لإرادة الله.

الإنسان الروحي لا يحاول أن ينتصر على غيره.

لأنه يحب غيره، ويقدمه على نفسه في الكرامة (رو ١٢: ١٠)، بينما يأخذ هو المتكأ الأخير (لو ١٤: ١٠). إنه يحب أن ينتصر على الشر، وليس على الأشرار. يحب أن ينتصر على نفسه، وليس على الآخرين. وهو لا يحب أن ينتصر على الضعفاء والمخطئين، بل بالأكثر أن يحتملهم. كما قال الرسول “يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات” (رو ١٥: ١).

هناك مجالات كثيرة ينتصر فيها الإنسان الروحي:

  • إنه ينتصر أولًا على نفسه.

ينتصر في الداخل أولا، لأن انتصاره الداخلي هو الذي يساعده في الانتصار على الحروب الخارجية.

الابن الضال (لو 15) لم يستطع أن يرجع إلى أبيه، إلا بعد أن انتصر من الداخلي، ولم تعد له شهوة في الكورة البعيدة، بل شعر فيها بسوء حالته..

ومن أعظم الأمثلة على الانتصار الداخلي، يوسف الصديق. لقد كانت الإغراءات من الخارج قوية جدًا، وكانت تلح عليه كل (تك 39: 10). كانت الخطية هي التي تسعى إليه. ومع ذلك رفض كل تلك الإغراءات، لأن كان منتصرًا من الداخل، فاستطاع في نقاوة قلبه أن يقول “كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله” (تك ٣٩: ٩). صدق القديس ذهبي الفم حينما قال: لا يستطيع أحد أن يضر إنسانًا، ما لم يضر هذا الإنسان نفسه.

أي أن العوامل الخارجية لا تهزمه إلا إذا كان مهزومًا من الداخل أولًا. ولهذا يقول الرب “فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة” (أم ٤: ٢٣).

إن القديس أوغسطينوس كان يعيش في الخطية حينما كان مغلوبًا منها، أي حينما كان يشتهيها. ولكنه حينما انتصر على نفسه من الداخل، حينئذ قال عبارته الجميلة “جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي إني لا أشتهى شيئًا ولا أخاف شيئًا”.

فإن تعبت يا أخي يومًا، تأكد أنك متعب من الداخل. هناك ثقب في نفسك تدخل منه المتاعب الخارجية. لذلك قال الرب عن الإنسان الروحي المنتصر إنه “جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم” (نش ٤: ١٢).

الخطية الخارجية، تبحث عن خطية داخلك، لكي تتحد معها، وتفتح لها أبواب القلب وأبواب الفكر.

والإنسان الروحي الذي يود داخله روح الله، هذا لا تجد الخطية التي في الخارج مكانًا لها في داخله. تطرق على بابه فلا يفتح لها، فتتركه وترحل.. عدو مثلًا يريد أن يثيرك لكي تخطئ، فيجدك غير قابل للاستثارة لأنك قوى في الداخل. ماذا يفعل إذن؟ أما أن يخجل ويتركك، أو أن يعتذر لك، أو يكف عن استخدام هذا الأسلوب معك..

  • الإنسان الروحي ينتصر على الخطية والشيطان..

مادام قد انتصر على شهوة القلب من الداخل، فلابد أن ينتصر على الخطية من الخارج، على كل حروبها وكل أفكارها. ولا تخدعه مطلقًا حيل الشيطان بل كما قال القديس بولس الرسول عنه: لا يطمع فينا الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره (٢كو ٢: ١١).

والإنسان الروحي إن حاربته الخطية، يقاومها بكل قوة.

مستفيدًا بذلك من توبيخ القديس بولس الرسول للعبرانيين “لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية” (عب ١٢: ٤).

ومستمعًا إلى قول القديس بطرس الرسول “اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر.. فقاوموه راسخين في الإيمان”، إن الإنسان الأول انخدع من حديث الحية (تك 3)، وفقد صورته الإلهية، منهزمًا أمام الخطية.

أما الإنسان الروحي فليس كذلك. إنه يحب أن ينتصر، مستفيدًا من دروس الماضي.

إن أسوأ ما في هزيمة الأشرار، افتخارهم بخطاياهم: هؤلاء الذين قال عنهم القديس بولس “والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات” (فى٣: ١٨- ١٩).

أما الإنسان الروحي، فإن مجده في الآلام التي يتحملها لأجل الرب، منتصرًا على ذلك الخزي الذي يفرح به الخطاة.

 

  • الإنسان الروحي ينتصر على العوائق التي تقف في طريق حياته الروحية.

وينتصر أيضًا على العوائق التي تعترض نموه الروحي. إنه لا يسمح لشيء أن يعطله لغيرته انظروا ماذا قال القديس بولس: “من سيفصلنا عن محبة المسيح؟! أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عرى، أم خطر أم سيف؟! ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت، ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا” (رو ٨: ٣٥-٣٩).

  • الإنسان الروحي لا يقدم أعذارًا إذا لم ينتصر. بل يقدم اعترافاً بالخطأ وتوبة.

إن الأعذار لا تبرر الهزيمة أمام العدو. لقد لجأ كل من آدم وحواء إلى تقديم الأعذار، فلم تكن مقبولة منهم أمام الله. فالله قد وضع أمامنا كل وسائل النصرة وهو مستعد أن يقودنا في موكب نصرته” (٢كو٢: ١٤).. العيب إذن إرادتنا. وكل محاولة لتبرير هزيمتنا في حروبنا الروحية، هي خطية أخرى تضاف إلى هذه الهزيمة..

  • الإنسان الروحي ينتصر أيضًا على الضيقات والمشاكل

المشكلة لا تهزه، ولا تهزمه، ولا تضعف معنوناته، ولا تعكر نفسيته، ولا يستطيع أن تلقيه في دوامات القلق والاضطراب والشك. إنما هو ينتصر على المشكلة ولا يضيق قلبه به، ولا يفقد سلامه بسببها.

إنه ينتصر على المشاكل بالإيمان وبالصلاة والصبر.

ولعل من الأمثلة البارزة في هذا المجال: أيوب الصديق. كانت المشاكل التي حلت عليه، أصعب من أن يحتملها قلب إنسان عادى. من ذا الذي يستطيع أن يحتمل فقد كل بنيه وبناته في يوم احد؟ ويفقد معهم كل ثروته وغناه؟! ولكن هذا الإنسان الروحي لما سمع هذه الأخبار المحزنة قال “الرب أعطى، الر أخذ فليكن اسم الرب مباركًا”، “عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك” (اى١: ٢١). لذلك حسنًا قال الله عنه إنه “ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم” (أى ٢: ٣).

  • الإنسان الروحي، لا ينتصر فقط على الضيقة، بالاحتمال، بل أكثر من هذا يفرح بها.

كما قال القديس يعقوب الرسول “احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة” (يع١: ٢). كما قال القديس بولس الرسول “بكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحل على قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح..” (٢كو١٢: ٩، ١٠).

وما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن سجنوهم، ثم جلدوهم وأطلقوهم.. قيل “وأما فذهبوا فرحين.. لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه” (أع ٥: ٤١).

  • الإنسان الروحي إذا حَلَّت به ضيقة، يقول في إيمان: إنها للخير:

متذكرًا قول الرسول “كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله” (رو ٨: ٢٨). لذلك فالضيقة لا تهزه، بل تقوى إيمانه، لأنه يعرف تمامًا أن الطريق الموصل إلى الله، هو طريق ضيق (مت ٧: ١٤). فهو يتوقع إذن هذا الضيق، ويسر به لأنه دليل على أنه سائر في طريق الله. ثم هو بالإيمان ينتظر تدخل الله لإخراجه من الضيقة. وعلى أية الحالات فإنها تحمل له أكليلًا.. وبهذه المشاعر كلها ينتصر على الضيقة…

  • والإنسان الروحي لا يجد لذته في العالم، بل يفرح بالانتصار على العالم وما فيه من المادة والشهوات..

وما أجمل ما قاله أحد الأدباء “افرحوا لا لشهوة ونلتموها، بل لشهوة أذللتموها”. وبالانتصار على الشهوات يثبت الإنسان الروحي إنه ابن لله، لأن “كل الذين ينقادون بروح الله، أولئك هم أولاد الله” (رو ٨: ١٤). إذا ينقادون بروح الله ينتصرون على الخطية ويفعلون البر، “المولود من الله لا يخطئ” (١يو ٤- ٥).

  • وحياة الانتصار مفرحة، لأن الإنسان الروحي يصبح بها قدرة لغيره.

ويقدم للناس مثالًا على إمكانية حياة البر، وعلى أن حياة الانتصار هي واقع عملي يلمسونه أمامهم. كما يعطى مثالًا عن قوة أولاد الله التي ساعدتهم على الانتصار، كما قال القديس يوحنا للشباب “كتبت إليكم أيهًا الشباب “كتبت إليكم أيها الشباب، لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير” (١يو ٢: ١). وكرر أيضًا تلك العبارة “وقد غلبتم الشرير” (١يو ٢: ١٣).

  • وحياة الانتصار مفرحة من أجل الوعود التي أعطاها الرب للغالبين.

وقد سجلت في الرسائل التي أرسلها الرب إلى الكنائس السبع التي في آسيا (رؤ٢-٣).

  • فقال لملاك كنيسة أفسس “من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله” (رؤ٢: ٧).
  • وقال لملاك كنيسة سميرنا “مَنْ يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني” (رؤ٢: ١١). والمعروف أن:
  • الموت الأول هو مفارقة الروح للجسد.
  • أما الموت الثاني فهو الموت الأبدي، أو هو الحرمان من الله، والإلقاء في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان (مت ١٣: ٤٢).
  • وقال لملاك كنيسة برغامس “مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن الْمُخْفَى.. وأعطيه اسمًا جديدًا” (رؤ 2: 17).
  • وقال لملاك كنيسة ثياتيرا “مَن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية، فسأعطيه سلطانًا على الأمم.. أخذت أنا أيضًا من عند أبي، وأعطيه كوكب الصبح” (رؤ ٢: ٢٦-٢٨).
  • وقال لملاك كنيسة ساردس “ومَنْ يغلب سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته” (رؤ ٣: ٥).
  • وقال لملاك كنيسة فيلادلفيا “مَن يغلب فسأجعله عمودًا، في هيكل إلهي” (رؤ ٣: ١٢).
  • وقال لملاك كنيسة لاوديكية “مَن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرش، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه” (رؤ 3: 21).
  • ما أجمل هذا.. السيد المسيح يريدك أن تغلب، وأن تجلس معه في عرشه، في الملكوت الأبدي.

وإن كنت من الغالبين، تأكل من شجرة الحياة، ومن المن الْمُخْفَى، وتلبس ثيابًا بيضًا، وتصير عمودًا في هيكل الله ويصبح لك سلطان، وأسمك في سفر الحياة، بل يكون لك اسم جديد..

وإن غلبت تسكن في مدينة الله، في أورشليم السمائية مع الله والملائكة والقديسين (رؤ21)، وترث الملك المعد للأبرار منذ تأسيس العالم (مت ٢٥: ٣٤)، وحيث يكون المسيح، تكون أنت أيضًا (يو ٣:١٤ )، وتتمتع بما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على قلب بشر (١كو ٢: ٩). ولا يقوى عليك الموت الثاني، بل تقوم في مجد، بجسد سماوي روحاني (1كو15: 43، 44، 49). كل هذه الأمجاد للغالبين.

أحد التجربة – لقداسة البابا تواضروس الثاني[14]

  • التجربة ومقاصد الله

التجربة هي أحد الأسلحة التي يستخدمها الشيطان لكي يُقدِّم لنا إله آخر، مثل:

  • تجربة الخبز: هي شهوة الجسد أو ما نقول عنه النَّهم أو البطن. لذا يقولون إن “داء الإنسان في معدته”.
  • تجربة مجد العالم: شهوة العيون أو العظمة وداؤها هو العين.
  • تجربة الطريق السهل: تعظُّم المعيشة أي الطمع، وداؤه هو القلب.

إنه -الشيطان- يحاول أن يُقدِّم لنا حلول مادية لكل مشاكلنا بالتشكيك:

  • في محبة الآب ← عندما قدَّم له الحجر …..
  • في قــوة الآب ← عندما اقترح إلقاء نفسه…..
  • في مجد الآب ← عندما أظهر له ممالك العالم…..

هذا هو سلاح التشكيك/ الخداع والكذب/ وهو الاستخدام الخاطئ لكلمات الإنجيل، ولذلك تكون النصرة من خلال ما هو مكتوب في الوصية.

أمَّا مقاصد التجارب الإلهية فهي ثلاثة:

  • للتزكية ← مثل إبراهيم
  • للتنقيـة ← مثل أيوب
  • للوقاية ← مثل بولس الرسول.

ويقول القديس غريغوريوس الكبير (اللاهوتي): يا رب لقد غلبت تجاربنا تجاربك.

(2) المعركة الروحية

  • هناك معركة:
  • لها كيان: هو العدو اسمه الشيطان وصفته الكذاب وأبو الكذاب.
  • لها مكان: وهو البرية أي هذا العالم كله في أي مكان.
  • لها زمان: هنا في هذا الفصل بعدما صام ربنا يسوع بـ 40 يوماً، ولكن في حياتنا فتوقيتها غير معلوم.
  • وفيها أسلحة:
  • اصنع خبز: إنه احتياج جسدي (الجوع).

والسؤال: “هل الله يطعمني؟” ← ثِق أن الله له عمل لك.

  • اطرح نفسك: إنه احتياج عاطفي (الأمان).

والسؤال هو “هل الله يحمي؟” ← ولكن ثِق أن الله عنده خطة لك.

  • اعبدني: إنه الإحتياج النفسي (تحقيق الذات).

والسؤال هنا “هل الله يحكم الكون؟” ← ثِق أن الله ضابط الكل.

  • ونتيجتها نُصرة:
  • إنها نُصرة بالمسيح الذي انتصر “مجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية” (عب 15:4).
  • بكلمة الله (الإنجيل) فمكتوب (متى 10،7،4:4).
  • باختبارات القديسين السابقة، كما قال القديس أُغسطينوس: “وقفت على قمة العالم عندما وجدت نفسي لا أشتهي شيئاً ولا أخاف شيئاً”

 

وايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس :

يوم الأحد من الأسبوع الثانى 

مت ( ٤ : ١ : ١١ ) 

هل تعرف كيف تنتصر ؟

التجربة على الجبل هي بداية خدمة ربنا يسوع المسيح ، فبعد المعمودية ذهب السيد المسيح إلى البرية وهناك كانت التجربة وكل حدث وكل كلمة فيها لها مدلول ولها تفسير.

في البرية بدأ إبليس (الشيطان) يحارب السيد المسيح ، ولا بد أن تعرف أن البرية ترمز لحياة الإنسان على الأرض ، فهي برية هذا العالم ؛ ولأننا متغربون عن مكاننا حيث أن وطننا هو السماء ؛ ولأن الإنسان كائن حي ، نفخة من الله ، فوطنـه فـي السماء ، وقد جاء على الأرض فترة نسميها عمر الإنسان ، هذه الفترة أي فترة وجود الإنسان في برية هذا العالم هي فترة لاختبار حياة الإنسان طوال حياته . 

إن البرية هي فترة تبين عناية الله بالإنسان ، وعمل الله الذي يعمله مع الإنسان ، وهـذا هـو السبب الذي يجعلنا نفتتح صلواتنا بصلاة الشكر ” نشكرك يـا رب لأنك سترتنا ، وأعنتنا ، وحفظتنا ، وقبلتنا إليك ، وأشفقت علينا ، وعضدتنا ، وأتيت بنا إلى هذه الساعة سبع صفات يصنعها الله معنا تشير إلى رقم الكمال وتبين مقدار عناية الله بنا  أثناء وجودنا في برية هذا العالم ، والإنسان فـي غربته يتعرض لحروب كثيرة وتجارب واختبارات ، والجيد أن يستمر ويصمد أمام أية تجربة . مع السيد المسيح جاء الشيطان وبدأ يختار ويرتب التجربة التي تناسب الموقف ، فنجـد عـدو الخير يجـرب الإنسان بحسب ظروفـه وأحيانا بحسـب سـنه ، ونلاحـظ أن التجربة هي عملية متدرجة ، وعدو الخير متدرج فيها :

التجربة الأولى :

شهـوة الجسـد

صام السيد المسيح ٤٠ يوم و٤٠ ليلة ، ثم أتى إليه إبليس ليجربه فقال له : ” ما رأيك إذا حولت الحجارة إلى خبـز ؟”، فبدأ السيد المسيح يجيبـه بآيـة مـن الإنجيـل فـي سـفـر التثنيـة (تـث ٨ : ٣ ) .  وكـان يجاوبـه لـكـي يحـول فكرنا إلى الفكـر الـروحـي ، فـقـال لـه ” مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ….” (مت ٤: ٤) وهنا نوضح أن كلمة الله تشبع الإنسان وتحييه وليس الأكل فقط ، وهذا يعني أن الروحيات تسندك حتى في حروب الجسد، ففترة الصوم الإنقطاعي تقوي إرادة الإنسان التي تقول لا للأكل ، فالصوم هو شكل من أشكال تقوية الإرادة .

التجربة الثانية :

شهـوة العيـون

أخذ إبليس السيد المسيح إلى المدينة وأصعده فوق أعلى المدينة وطلب منه أن يلقى بنفسـه مـن أعلى ، وسوف يأخـذ نـوع مـن الشهرة والعظمة والبطولة ، وقال له : ” لا تخف الملائكة ستسندك وليس هناك أي حجريصدم به رجلك “، إلا أن السيد المسيح يرد عليه قائلا : ” مكتوب أيضاً : لا تجرب الرب إلهك ” (مت ٤ : ٧) .

أنت أيها الإنسان هل تمتحن الله في عنايته بك ؟ لا تُجرب عناية الله بك . هناك عبـارة جميلـة تقـول : ” إنني أحـب اللـه مـن كـل قلـبي ، وبالتالي لا أحتاج أن أمتحنه فـي عنايته “، الله يشرق شمسه على الأبرار والأشرار ، الله معتن بكل الخليقة وعنايته لكل البشر . إن الله يعتني بكل الكائنات الحية سواء كان إنساناً أو حيواناً أو حتى نباتاً ، فهو معتن بالطبيعة حيث الهواء والماء والنور والظلام ، كما أنه معتن بالفلك كله ، فالله عنايته الإلهية على الكل . 

حاول الشيطان أن يجرب ربنا ، ويقـول لـه : ” الـق بنفسك مـن فـوق “، وسـوف تأخذ مجد وشهرة وبطولة من العالم ، لكنها بطولة زائفة ، ومثلما يعلمنا الكتاب المقدس أنه ليس في العالم إلا شهوة الجسد ، وشهوة العيون ، وشهوة تعظم المعيشة ، وشهوة العيون هي شهوة من يُريد أن يكون مشهوراً ومعروفاً بأية وسيلة . 

التجربة الثالثة :

شهوة تعظم المعيشة

جاء الشيطان إلى السيد المسيح وقال له : “ما رأيك تعال واطلع الجبـل فـي البرية لتتطلع على كل المدينة وتـرى كـل مـا فـي العالم “، وقال له بالكذب : ” سأعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي “. لقد قال له سأعطيك هذه جميعها ان خررت وسجدت لى  لقد قال له ساعطيك وهو لا يملك شيئاً ، وهذا خداع وكذب سأعطيك شيئاً كبيراً جداً مقابل شيء صغير جدا، ولذلك نجد أن لحظة صغيرة ممكن أن تُضيع الإنسان .

سأعطيك كل هذه الممالك ؟ (شهوة القنية)، والمقابل بسيط جدا هو السجود أمامي ، وهذا هو ما يحدث مع الإنسان ، فهو شـر وخداع يجعل الإنسان يقـع فـي فـخ مثل فخ العصافير، وهذا ما يحدث عند الوقـوع فـي فـخ التجربة ، وتكون النتيجة أنه بهذه الصورة وبهذا الخداع يثق فيه أناس كثيرون لسبب شهوة الطمع والقنية ، وفي النهاية يقع الإنسان في هذه الخطايا ، وتكون النتيجة رديئة جدا . يرد السيد المسيح ويقول له : ” اذهب يا شيطان ! لأنه مكتوب : للرب إلهك تسجد وإياه وحـده تعبـد ” (مـت ٤: ١٠). وهـذه الوصية مأخوذة مـن سـفر التثنيـة وهـي إحـدى الوصايا التي نعيش بـهـا ، لكـن أريدك أن تعـرف شـيئاً مهماً جـداً وهـو ” كيف نواجـه التجارب التي تحاربنا ؟”

الجميع يتعرض لتجارب كثيرة ، والتعرض للتجربة قد يكون في سن معين أو في ظروف معينة ، والحروب الروحية في مسيرة الإنسان المسيحي معروفة ، وهناك كثير من الآباء كتبوا عن المحاربات الروحية ، وأريد منك أن تنتبه لئلا تمنعك هذه المحاريات من النعم التي لديك وتفقدها . 

سؤال اليوم هو : هل تعرف كيف تنتصر؟ هل تعرف كيف تنتصر على حروب عدو الخير الكثيرة ؟ عدو الخير قد يوقع الإنسان في خطية التمرد ، أو خطية العناد ، أو خطية الشك أو الإلحاد ، أو الاستهانة ، أوخطية الكذب … وما أكثر الخطايا التي يقع فيها الإنسان ، وما أكثر التجارب التي نتعرض لها ، ولكن المهم كيف نعرف أن ننتصر على التجربة ؟

هناك ثلاث وسائل للتغلب على ذلك :

١ـ امسك في كلمة ربنا باستمرار:

الكتاب المقدس لم يعط لنا عبثاً ، فهو لم يكن للديكور أو الامتلاك ، لكنه أُعطي لنا لنمسك فيه ،

قصة

بيت مزين فيه منضدة عليها مفرش جميل والكتاب المقدس موضوع عليها ، يومياً الأم تعمل على تنظيف تلك المنضدة ، وذات يوم جاء ابنها الصغير وسألها : ” من صاحب هذا الكتاب ؟”، فأجابت الأم وقالت : ” هذا الكتاب ملك ربنا “، فقال لها الطفل : ” إذا لا بد أن تعيده لربنا “، تعجبت الأم من كلام ابنها وقالت له : ” لماذا تقول هذا الكلام ؟”، قال لها : ” لأنك كل يوم تقومي بتنظيف التراب الموجود على الكتاب ولكنك لم تفتحيه في يوم ما وتقرئي فيه “.

عليك أيها الحبيب أن تمسك في كلمة ربنا وتعرفها باستمرار واجعلها حاضرة أمامك ، ولا بد أن تعيش الوصية التي تقرأها وطبقها في حياتك ؛ لأن الكتاب المقدس ليس مجرد كلام حلو ولكنه وعود مقدسة واختبارات مقدسة ووصايا مقدسة ، فعندما تصـلـي مـزمـور رعاية الله بالإنسان ” الـرب يـرعـانـي فـلا يـعـوزنـي شـيء ” أو عنـدمـا تصـلـي مزمور التوبة ” ارحمني يا الله كعظيم رحمتك “، هذا ليس مجرد كلام فقط، لكن لا بد أن أعـيـش هـذا الاختبار، ثـق فـي كلمـة الله باستمرار وامسـك فيـه ولا تجعل يومك يمر بدون أن تقرأ كلمة الله وتعيشها ، امسك فـي الوصية واقرأها مرة واثنين لتختبرها في حياتك .

هـذه هـي أول خطـوة : ليكن إنجيلك حاضـراً دائماً. كذلك القراءة المستمرة والتأمل المستمر واستخراج رسائل الله لك ، فلا تترك إنجيلك ، وعليك أن تنتبه أن إنجيـل هـذا اليـوم يرسل لك رسالة خاصة ، ومع كل قراءة يرسل رسالة أخرى ، فالله يرسل لكل واحد رسائل حسب احتياجه . أحياناً تفتح الموبايل أو التلفزيون عشرات المرات في اليـوم ، ولكـن كـم مـرة تفتح إنجيلك في اليوم ؟ لذلك عليك أن تنتبه إلى ذلك ؛ لأن هذا شيء مهم لكل بيت ، فإذا وجدت أن المشاكل والصراعات والخلافات تزداد في البيت ، أعرف أن كلمة الله و ليست ساكنة فيه .

۲ـ اترك كل شيء :

عدو الخير عندما يحاربنا قد يحاربنا بطريقة من اثنين : إما بالشك والتشكيك ، أو باليأس وكلمة ” لا فائدة “، فبما أن العالم أصبح مفتوحاً وصار كل شيء يشككون فيه ، لذلك انتبه فليس أي كلام تسمعه أذنك ، وليس أي كلام يدخل إلى عقلك أو قلبك ، بل اطرد روح الشك ؛ لأن هناك حقائق ومسلمات نعيشها في كنيستنا من أيام القديس مارمرقس الرسول وقد تسلمها من جيل إلى جيل ، وقد يزداد الأمر خطورة إذا كان التشكيك في العقائد أو اللاهوتيات. 

لذلك عليك أن تنتبه أنه ليس من السهولة على الإنسان الذي يدخل فـي دائـرة الشك أن يخرج منها ، لذا اترك كل شك وكل خطية وكل تشكيك يأتي أمامك ، ومن هنا نعيش في كنيستنا بروح المشورة . اتـرك روح الشك والتشكيك فـي أي وعـد وأيـة وصـية وأي تعلـيم فـي الـكتـاب المقدس ، فدائماً نقول : ” إن الكتاب المقدس ليس هو مجرد كلام حلو “. داود النبي وقف ذات يوم وقال : ” اختبرني إلهي واعرف أفكاري “، تصور معي شخصاً يقف أمام الله ويطلب منه أن يختبره ، فربما تكون هناك لحظة يأس أو شك ، ثم يطلب منه طريقاً أبدياً متجهاً نحو السماء . 

من العبارات التي تصليها كل يـوم فـي صلاة الساعة الثالثة ” مبارك الرب إلهنا . مبارك الـرب يـومـا بيـوم . يهيئ طريقنا لأنه إله خلاصنا “، ونجـد أن مبـارك الـرب يـومـاً فيوماً تعني أن الله يعطي بركته في كل يوم من أيام حياة الإنسان ، وليس هذا فحسب بل يهيئ طريقنا ، وتهيئة الطريق هي أفضل شيء ممكن ؛ لأن هذا معناه أن ربنـا سـائر معك خطوة بخطوة إلى أن تصل إلى مكانك ، لكن عدو الخير يريدك أن تفلـت مـن يـد الله بأية وسيلة سواء كانت شك أو يأس أو كذب أو أي خطية …

٣ – الله هو الوحيد صانع الخيرات :

 يجب أن يدخل فـي وعيك أن الله هو الوحيد صانع الخيرات ، ففي صلاة الشكر نقول : ” فلنشكر صانع الخيرات “، ودائما نقول : ” صباح الخير” أي أن الصباح الذي مصدر الخير فيه هو الله 

وإن كـان مـصـدر الخـيـر هـو اللـه وحـده فعليك بالالتزام إليه بالسجود وذلك للعبادة ، فالسجود للعالم لا يشبع الإنسان لأنـه سجود للشيطان ، وقراءتنا للكتـاب المقدس واطمئنانـا لـوعـود المسـيـح لنـا يحولهـا الكتاب إلى صـلاة وعبـادة ، فنجـد فـي التسبحة اليومية وفي الهوس الأول الذي نقرأه في سفر الخروج (خر١٥) أي خروج بـني إسرائيل وبداية رحلة البرية نأخذ النشيد ونحوله إلى صلاة فـي تسبحة نصف الليل ” الهوس الأول “.

أيضاً مزمور الشكر (مز١٣٦) حيث وقف داود النبي يشكر ربنـا فيـه ، ونحن نُصلي بهذا المزمور وتقدمه صلاة شكر وعبادة لربنـا فـي ” الهوس الثاني “. قس علـى هـذا كل صلواتنا ، حتى صلوات القداس قد نأخذها من الكتاب المقدس . إذا القراءة والثقة واليقين بوعـود اللـه ، قراءتك للكتاب المقدس قـد تحولها إلى صلاة وعبادة.

هنا السجود الذي تقدمـه هـو العبادة ، والعبادة لا بد أن تكـون مـن قـلـب الإنسان ، ولكن الشيطان يريد أن الإنسان يبيع حياته بأي ثمن ، ولكن حياتنا غاليـة قـد فـداها المسيح على الصليب ، ولكـن عـدو الخير يغوينـا عـلـى الـدوام ، لذلك نُصلي ونقـول فـي قسمة الصوم الكبير: ” الصوم و الصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين “، والشياطين بكل أنواعها … (شهوات معينة ، حروب معينة …) العبادة ليست طقساً أو نصيحة ، بـل هـي القلب الذي يسجد ” للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ” (مت ٤ : ١٠)، ولتكن عينك فقـط علـى شـخص السيد المسيح. يقـول داود النبي : ” واحـدة سـألـت مـن الـرب وإياها ألتمس : أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس فيه هيكله ” (مز ٢٧ : ٤) المسيح فقط وليس غيره .

هل تعرف إذا كيف تنتصر على حروب عدو الخير ؟

 ١ـ امسك في كلمة ربنا.

٢- اترك كل شيء.

٣- حول كل ما تقرأه إلى صلاة وعبادة وسجود .

فليعطنا مسيحنا أن تكون حياتنا نقية أمامه على الدوام ، له كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد آمين . 

 المرجع : كتاب اختبرني يا الله صفحة ١٢٧ – قداسة البابا تواضروس الثاني

ابطل مؤامرة المعاندين – النصرة علي الشيطان للمتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو

( ١ ) يا رب أبطل مؤامرة المعاندين لنا

بحب عجيب يحتضن الرب كل الخليقة … ويتبنى كل مولود في الكنيسة . وبين ذراعيه يحمله … ويقف به أمام المعاند … ويظهر أبوته الحقيقية ، ورعايته لبدا الغنم الناطق … الغنم الصاعد من العمق … والطالع من البرية معطر ومستند على المسيح الحبيب (نش ٨ : ٥) .

عندما نطير بأفكارنا في الكتاب المقدس ، نتمتع برحلة روحية … نرى فيها يمين الله … وكيف كان يسند شعبه … وكيف أبطل مؤامرة المعاندين لهم …

لقد أنقذ الله إبراهيم وسارة من أبيمالك ملك جرار … ونجى يوسف من أخوته الذين ألقوه في البئر ، وباعوه للإسماعيليين … وحفظه من زوجة فوطيفار …

وأنقذ الله موسي وشعبه من مكائد وحيل فرعون … وعبر بهم إلى البرية بعدما موسي وشعبه من شق لهم طريقا في البحر … وأغرق فيه جيوش ومركبات المعاند … لقد حارب عن الملك يهوشافاط الذي وقف ونظر خلاص الرب … وأبطل مؤامرة هامان وصلبه على الخشبة التي صنعها لمردخاي ، ونجى استير وشعبها من الهلاك ، وأطفأ لهيب النار للفتية الثلاثة ، وسارفي وسطهم … حفظ دانيال في جب الأسود … وقضى على حليات الجبار ، وحبسه في يمين الفتى داود … كما أنقذ داود من شاول الملك مرات عديدة ، وأبطل مشورة أخيتوفل …

من أولئك الذين سندهم الرب في زمان غربتهم .. نتعلم أن النظر في خلاص الرب من المعاندين أعمق وأقوى من التأمل في مؤامراتهم كما قال المرنم “عيناي تنظران إلي الرب في كل حين ، لأنه يجتذب من الفخ رجلي ” (مز ٢٥ : ١٥) .

الكل هتف بفم واحد وقال مع المرنم “يمين الرب صنعت قوة…يمين الرب رفعتني … أحاطوا بي احتياطا واكتنفوني … وباسم الرب قهرتهم .. أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد . والتهبوا كنار في شوكك … دفعت لأسقط والرب عضدني” (مز ۱۱۸ : ۱۰) .

حكمة لمعرفة حيل الشياطين وقوة للانتصار عليهم :

أعطى الرب لرسله الكرام فما وحكمة … أعطاهم حكمة فعرفوا بها حيل المعاندين … وأعطاهم فما قريبا من أذن الله . يطلبون به قوة تنصرهم على مقاوميهم … فقد قال لهم ” ها أنا أعطيكم فما وحكمة لا يستطيع جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها ” (لو ٢١ : ١٥) .

لقد تركوا لنا في التقليد طقس صلاة المعمودية … وترى فيها صورة لجبروت الله ، وقدرته علي جحد الشيطان … وكل حيله الرديئة والمضلة … وتتذكر كيف يقف الرب ويشمر ذراعه (أش ٥٢ : ١٠) ويحارب عنا ليخلص الداخلين إليه بالمعمودية .. وللداخلين فيها نطلب من السيد الرب لكي يفتح عيونهم فيستضيئوا بضياء انجيل الملكوت … وأن تصحب حياتهم ملائكة النور لتخلصهم من كل مؤامرة .. ومن المصائد الرديئة … ومن السهم الطائر في النهار ، من شيطان الظهيرة … ومن الظلمة وخيال الليل … والنجاة من الروح الخبيث ومن القلق … والقضاء علي روح محبة الفضة ، وروح الكذب … وكل نجاسة

المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً – الجزء الثاني ٢ صفحة ١٢٠، ١٢١ – دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو

برية التجربة – للمتنيح الانبا ابيفانيوس اسقف ورئيس دير أبو مقار[13]

عندما بدأ يوحنا المعمدان خدمته الكرازية، نادى في برية اليهودية قائلاً: “توبوا، لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ” (مت٣: ١)

وبعد أن أعتمد الرب يسوع من يوحنا المعمدان، اقتاده الروح القدس الى البرية ليُجرَّب من إبليس، وهناك صام أربعين يوماً وأربعين ليلة (مت٤: ١)

لم تكن برية التجربة أرضاً صحراء قاحلة، مغطاة بالرمال، وتنتشر فيها الكثبان الرملية؛ بل كانت منطقة جبلية وعرة، تكتنفها الهضاب والتلال، وتأوي اليها الوحوش والطيور الجارحة.

واذا عدنا إلى النص اليوناني للعهد الجديد نجد أنه يستعمل كلمة واحدة وهي:. (إريموس) عندما يريد أن يصف أى منطقة برية.

أما النص العبرى للعهد القديم فإنة يستعمل عدة كلمات مختلفة يمكن ترجمتها الى “برية”، ولكن كل منها يعطي وصفاً مختلفا لتلك البرية.

وعموما فإن المقصود بكلمة برية فى الكتاب المقدس، عدة مناطق جغرافية تحيط بمنطقة إسرائيل قديماً، وهذه المناطق تقع الى الجنوب، والى الجنوب الغربي، والى الشرق من المنطقة التى كانت مأهولة بالسكان في إسرائيل، والتى يقابلها جغرافياً شبه جزيرة سيناء وصحراء النقب وعبر الأردن. أما البرية التى قضى بها الرب يسوع الأربعين المقدسة فهي تختلف عن تلك البراري، وهى تقع على المنحدرات الشرقية لجبال الأردن، والتى غالباً ما كانت تعرف باسم: “يشيمون” والتى تترجم الى “القفر”.

والكلمة اليونانية “اريموس” التى ترجمت إلى “برية” فى العهد الجديد، يأتى معناها الأساسي من معنى “التخلية والهجران”. فهى تستعمل للأشخاص عندما يهجر إنسان أهله وذويه، وتستعمل للأماكن عندما يهجر إنسان مكان سكناه أو معيشته، كما تستعمل أيضاً عندما يتخلى إنسان عن فكرة أو رأي معين. وعندما تُستعمل للأماكن فهى لا تعني بالقطع معنى “الصحراء”، لكنها تشير فقط الى أي مكانٍ خالٍ أو غير آهل بالسكان كالمدن المهجورة والمقاطعات التى يندر وجود المقيمين بها.

وترتبط البرية فى أذهان الشعوب القديمة في الكتاب المقدس بالمكان الذى تعيش فيه العقارب والحيات والوحوش المفترسة، لذلك فهى تُعَدُّ من الأماكن الخطرة والمخيفة: “الذي سارَ بكَ في القَفرِ العظيمِ المَخوفِ، مَكانِ حَيّاتٍ مُحرِقَةٍ وعَقارِبَ وعَطَشٍ حَيثُ ليس ماءٌ.” (تث٨: ١٥). والتقليد اليهودى يرى أن البرية هى المأوى المُفضَّل للشياطين والأرواح الشريرة.

  • “لأنَّهُ أمَرَ الرّوحَ النَّجِسَ أنْ يَخرُجَ مِنَ الإنسانِ. لأنَّهُ منذُ زَمانٍ كثيرٍ كانَ يَخطَفُهُ، وقد رُبِطَ بسَلاسِلٍ وقُيودٍ مَحروسًا، وكانَ يَقطَعُ الرُّبُطَ ويُساقُ مِنَ الشَّيطانِ إلَى البَراري” (لو٨: ٢٩).
  • “مَتَى خرجَ الرّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإنسانِ، يَجتازُ في أماكِنَ ليس فيها ماءٌ يَطلُبُ راحَةً” (لو١١: ٢٤).
  • “هناكَ يَستَقِرُّ اللَّيلُ (أو الغول) ويَجِدُ لنَفسِهِ مَحَّلاً”. (اش٣٤: ١٤).

وهناك يكتنف الظلام البرية وتنقطع فيها سبل الحياة :

  • “…أين هو الرَّبُّ الذي أصعَدَنا مِنْ أرضِ مِصرَ، الذي سارَ بنا في البَرِّيَّةِ في أرضِ قَفرٍ وحُفَرٍ، في أرضِ يُبوسَةٍ وظِلِّ الموتِ” (ار٢: ٦).

الأهمية التاريخية:

ترجع أهمية البرية تاريخياً إلى ارتباطها برحلة خروج بني اسرائيل من أرض مصر. فخبرة الخروج من أرض مصر تربط أولاً بين البرية والعناية الإلهية، عندما قاد الله شعبه فى البرية وصنع به قوات وعجائب عظيمة إلى أن أدخله أرض الميعاد.

كما أنها تربط ثانياً بين البرية وعصيان شعب الله. ففى برية سيناء اختبر الشعب قدرة الله عندما أعطاة المن والسلوى، وعندما أخرج له الماء من الصخرة، وعندما قاده بعمود النار ليلاً وبالسحاب نهاراً. ومع ذلك فقد كان رد الشعب التذمُّر على الله عدة مرات والتمرُّد على موسى النبي: “اليومَ، إنْ سمِعتُمْ صوتهُ، فلا تُقَسّوا قُلوبَكُمْ، كما في الإسخاطِ، يومَ التَّجرِبَةِ في القَفرِ 9حَيثُ جَرَّبَني آباؤُكُمُ. اختَبَروني وأبصَروا أعمالي أربَعينَ سنَةً” (عب٣: ٧-٩).

وفى البرية مال الشعب الى مشورة الجواسيس العشرة الذين ذهبوا ليتجسسوا أرض كنعان ورفضوا مشورة يشوع بن نون وكالب بن يَفُنَّة. وكنتيجة لذلك عاقبهم الله في البرية بأن أفنى ذلك الجيل كله الذى خرج من أرض مصر، ولم يدخلهم أرض الميعاد بسبب تمرُّدهم على الله وعصيانهم، وعدم تصديقهم لمواعيده: “اختَبَروني وأبصَروا أعمالي أربَعينَ سنَةً. لذلكَ مَقَتُّ ذلكَ الجيلَ، وقُلتُ: إنهُم دائمًا يَضِلّونَ في قُلوبِهِمْ، ولكنهُمْ لم يَعرِفوا سُبُلي. حتَّى أقسَمتُ في غَضَبي: لن يَدخُلوا راحَتي” (عب٣: ٩-١١).

الأهمية اللاهوتية:

ابتداءً من أسفار الأنبياء فى العهد القديم، ومروراً بأسفار مابين العهدين (الأسفار القانونية الثانية) حتى نصل إلى زمن العهد الجديد، نجد أن البرية بدأت تحتل أهمية خاصة ومعنى رمزياً أغنى عند الشعب اليهودي، وذلك بصفتها المكان الذى منه سيخلِّص الله شعبه.

ففى الفترة الزمنية الواقعة بين خروج بنى اسرائيل من مصر وعصر الأنبياء، وهى فترة تُقدَّر بعدة مئات من السنين، اختفت الذكريات المُرَّة والأليمة المرتبطة برحلة الخروج. وبدأ الأنبياء يرون أن عبادة كنعان الوثنية كانت هي السبب وراء متاعب شعب إسرائيل. كما أن الذكريات الطيبة المتبقية من رحلة الخروج ألهمت الكُتَّاب بأن يذكروا البرية بتعبيرات عظيمة ومجيدة. فعلى سبيل المثال صار لمعجزة نزول المن في البرية معنىً مسياني، إذ أنه ارتبط في أذهانهم ببركات العصر المسيانى المرتقب. بل وصار هناك توقُّع في المستقبل أن الله سوف يُخْرِج شعبه مرة ثانية الى البرية حتى يتم تجديده لخروج جديد مماثل لخروجه من أرض مصر:

  • “لكن هأنذا أتَمَلَّقُها وأذهَبُ بها إلَى البَرِّيَّةِ وأُلاطِفُها، وأُعطيها كُرومَها مِنْ هناكَ، ووادي عَخورَ بابًا للرَّجاءِ. وهي تُغَنِّي هناكَ كأيّامِ صِباها، وكيومِ صُعودِها مِنْ أرضِ مِصرَ.” (هو٢: ١٤-١٥).
  • صوتُ صارِخٍ في البَرِّيَّةِ: أعِدّوا طريقَ الرَّبِّ. قَوِّموا في القَفرِ سبيلاً لإلهِنا. كُلُّ وطاءٍ يَرتَفِعُ، وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ يَنخَفِضُ، ويَصيرُ المُعوَجُّ مُستَقيمًا، والعَراقيبُ سهلاً. فيُعلَنُ مَجدُ الرَّبِّ ويَراهُ كُلُّ بَشَرٍ جميعًا، لأنَّ فمَ الرَّبِّ تكلَّمَ” (اش40: 3-5).
  • حَيٌّ أنا، يقولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ،…. أُخرِجُكُمْ مِنْ بَينِ الشُّعوبِ، وأجمَعُكُمْ مِنَ الأراضي…. وآتي بكُمْ إلَى بَرِّيَّةِ الشُّعوبِ،…… وأُمِرُّكُمْ تحتَ العَصا، وأُدخِلُكُمْ في رِباطِ العَهدِ” (حز٢٠: ٣٣- ٣٧).

وقد أخذ هذا التقليد ينمو الى زمن العهد الجديد حتى ساد الاعتقاد أن الخلاص الأبدي سوف يبدأ من البرية، وأن المسيا سوف يظهر أولاً فى البرية. وهذا التقليد يفسر لنا قول الرب يسوع لتلاميذه عن المجيء الثاني للمسيح: ” فإنْ قالوا لكُمْ: ها هو في البَرِّيَّةِ! فلا تخرُجوا” (مت24: 26). ونتيجة لهذا التقليد ظهرت بعض حركات التمرد المسيانية، وخاصة بين فئة الغيورين، واتجهت إلى البرية لتبدأ من هناك حركة التمرد ضد روما. وقد وجه قائد الكتيبة الرومانية هذه التهمة لبولس الرسول: “أفَلستَ أنتَ المِصريَّ الذي صَنَعَ قَبلَ هذِهِ الأيّامِ فِتنَةً، وأخرَجَ إلَى البَرِّيَّةِ أربَعَةَ الآلافِ الرَّجُلِ مِنَ القَتَلَةِ؟” (أع٢١: ٣٨)، حتى صار هذا التقليد يُعرف عند مفسِّري الكتاب المقدس بـ “تقليد البرية”.

ولم يختف هذا التقليد تماما بعد مجيء الرب يسوع بالجسد، فيصف لنا سفر الرؤيا المرأة المتسربلة بالشمس التي حاول التنين أن يبتلع ولدها متى ولدت. فبعد أن ولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصاً من حديد، حدث أن المرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكى يعولها هناك (رؤ١٢: ١ــ ٦). فعلى كنيسة الله أن تظل مختفية فى برية هذا العالم حتى مجىء المسيح الثاني لينهي على مملكة ابليس.

وقد أشار الأنجيليون عدة مرات إلى البرية ليوضحوا أن الخروج الجديد للبرية المعد لشعب الله قد تم بمجىء المسيح. فكما أن الرب عال شعبه فى البرية إذ أطعمهم المن من السماء، هكذا أطعم الرب يسوع الجموع فى البرية (مر٨: ١- ٩). لكن الأكل من المن الأول تبعه موت لجميع الشعب، أما الأكل من المن الجديد أو المن الحقيقي، الذي هو جسد المسيح، فيتبعه حياة أبدية: “أنا هو خُبزُ الحياةِ. آباؤُكُمْ أكلوا المَنَّ في البَرِّيَّةِ وماتوا. هذا هو الخُبزُ النّازِلُ مِنَ السماءِ، لكَيْ يأكُلَ مِنهُ الإنسانُ ولا يَموتَ” (يو ٦: ٤٨- ٥٠).

وكما رفع موسى الحية النحاسية فى البرية حتى يعطي نجاة وقتية للشعب الذى هاجمته الحيات المحرقة نتيجة لتمرده، هكذا رُفع المسيح على الخشبة حتى يعطي حياة أبدية لكل من يؤمن به.

  • “وكما رَفَعَ موسَى الحَيَّةَ في البَرِّيَّةِ هكذا يَنبَغي أنْ يُرفَعَ ابنُ الإنسانِ، 15لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ.” (يو٣: ١٤- ١٥).

وكما شرب الشعب من الماء الذي خرج من الصخرة في البرية بعد أن كاد يهلك من العطش، هكذا أعطى المسيح شعبه ماء الحياة الذي كل مَنْ يشربه لن يعطش إلى الأبد:

  • “كُلُّ مَنْ يَشرَبُ مِنْ هذا الماءِ يَعطَشُ أيضًا. ولكن مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ، بل الماءُ الذي أُعطيهِ يَصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبَعُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ” (يو٤: ١٣- ١٤).

أما عن خروج الرب يسوع نفسه إلى البرية فيشرحه القديس كيرلس الكبير ـ في تفسيره لإنجيل القديس لوقا ـ موضِّحاً أن خروجه كان مكسباً لنا ومن أجلنا. فقد خرج بنا، وهذا هو الخروج الجديد الذى انتظرته البشرية، لكى يعطينا النصرة على الشيطان، ويكلِّل في نفسه الطبيعة البشرية بأسرها:

[لقد سكن الربُّ في البرية تاركاً مساكن المدن، وهناك فى البرية صام وتجرَّب من الشيطان. هناك انتصر من أجلنا. هناك سحق رؤوس التنين. هناك كما يقول داود الطوباوي: “العَدوُّ تمَّ خَرابُهُ إلَى الأبدِ. وهَدَمتَ مُدُنًا” (مز٩: ٦)، أى هدمت أعوانه الذين كالأبراج والمدن. لذلك فبعد ما تسلَّط على الشيطان وكلَّل في نفسه طبيعة الإنسان بالانتصارات التي أحرزها عليه، رجع بقوة الروح، سالكاً بقوة وسلطان، وعاملاً معجزات كثيرة جداً أثارت اندهاش الكثيرين].

أحد التجربة –  المتنيح القمص بيشوي كامل[12]

بداية الأسبوع الثالث من الصوم المقدس يكلمنا الكتاب عن التجربة، وكأن الكنيسة أرادت أن تدخلنا في سر شركة ربنا يسوع المسيح بصومه وكل أعماله على الأرض.

فالحقيقة إحنا بنعتبر نفسنا أعضاء في جسم المسيح، وكل ما صنعه ربنا على الأرض صنع لأجلنا وصنع بنا أيضاً، لأنه من لحمنا ومن عظامنا، كقول الرسول “لأننا من لحمه ومن عظامه”. فالكنيسة هي جسم المسيح .

فالمسيح حط نقط في الطريق عاشها ومارسها حرفياً، لهذا السبب الكنيسة أيضا لازم تعيشها حرفياً وليس المقصود بهذا أنه مجرد الإهتمام بالحرف، ولكن لأن ربنا يسوع هو الطبيب الحقیقی خالق نفوسنا، اللي عارف طريق خلاصنا “فخرج للبرية ليجرب”.

خرج للبرية وبعدما صام أربعين يوما جاع – وطبعا المسيح ممكن ما كانش يجوع خالص كإله، لأن القوة الالهية اللي فيه ممكن ما تخليهوش يجوع – لكن كون الإنجيل بالنص وبالحرف يقول إنه هو في آخر الأربعين يوما جاع، وبعدما جاع راح للشيطان يجربه.

إذا ده يستوقف نظرنا إن الصوم لازم يكون فيه جوع، ولازم يكون فيه تشكيك، الإثنين مع بعض، يجوع علشان كده إحنا بنصوم إنقطاعی، وبعدين فيه تشكيك.

وهو نفس الكلام اللي قاله الشيطان زمان، يقول في كل وقت، يقول له إنت تعبت وجعت وصحتك وظروفك وحياتك، وخد كمان آدی آية من الإنجيل من العهد القديم من سفر التكوين، بيقول لهم إنتم لما كنتم في البرية كان ربنا ينزل لكم المن من السماء، وكان قادر إنه يطلع لكم من الحجارة دي طعام – خبز – الآية موجودة عندك وفاضل إن إنت تطلب من ربنا.

فجوع الرب يسوع جزء مهم جداً من برنامج الصيام، والكلمة دية إن مكانتش اتقالت مكانتش كشفت سر الصوم الإنقطاعي، إن الصوم مصحوب بالجوع.

والجوع في ذهن الوحي الإلهي.

مرة ربنا يسوع قال: طوبي للجياع والعطاش، قال: إلى البر لأنهم يشبعون، فهو جوع في مظهره جسدي يتحول إلى عطش إلى الله، وبعدين يبقى مفيش مفر ومفيش حل غير إن الإنسان يشبع من ربنا.

فكونه جاع بعد الأربعين يوم .. جاع .. فكلمة جاع ديه مهمة جداً. يتكشف لنا سر الصيام إيه.. أو يتكشف لنا سر عطية الرب على الصليب، صحيح جسده عطش للماء، ولكن نفسه أيضاً كانت عطشانة للنفوس اللي هي ترجع لربنا، أنا برضه عايز أثبت في ذهننا إننا أعضاء في جسم المسيح، كل ما يحدث للمسيح لازم يحدث الينا كعضو فيه.

علشان كده يهمنا خالص في صوم الأربعين المقدسة إن الكنيسة كلها تشترك في هذا الصوم، بعدين إنت تقول مثلاً ده حرية شخصية أو اختبار فردی، شیء جميل، أقول لك بس إحنا أعضاء في جسم واحد، فالأعضاء دولت لازم يكون لهم إحساس واحد، الرب جاع والكنيسة كلها جعانة للمسيح.

الصوم والاختلاء:

في نهاية الأربعين يوم، الأربعين يوم دولت برضه سر من أسرار المسيح .. أو نقطة على الطريق أيضاً، أربعين يوما اختلاء وده ربط خطير جداً في ذهن الرب يسوع، هو خروج من وسط العالم، واعتكاف في الجبل.

من أجل هذا يا أحبائي أصبحت فترة الصوم عندنا لازم يكون لها منهج خاص، المنهج ده عبارة عن منهج يظهر فيه كلمة الاعتكاف، اعتكاف عن الزيارات شوية، اعتكاف عن النزول كتير من البيت، اعتكاف من التليفونات، اعتكاف شوية عن قراءة الكتب اللي مالهاش لازمة .. اعتكاف الصوم مش بس جوع، لأنه هو لما يصوم خرج للبرية. وكان ممكن إنه يكمل هذا الصوم وهو في وسط الهيكل في ساحة العالم.

فالصوم.. هيبقى عبء ثقيل على النفس، إلى أن يتحول إلى متعة روحية، وهذه المتعة الروحية مش ممكن ها تتم غير في الاختلاء بالله.

والاختلاء بالله ها يكون في البرية .. في المخدع . الاعتكاف يعني حتى في العهد القديم لما كان يتكلم عن الصوم يقول “نادوا بصوم نادوا باعتكاف”، يعنی كان يربط الصوم بالاعتكاف، فربنا اعتكف لكي نعتكف نحن أيضاً، والاعتكاف ده مش انعزال، ولكنه امتلاء من أجل العالم اللي إحنا اعتكفنا عنه. اعتكاف بعدنا شوية عن العالم وأصواته المزعجة الغريبة، لكي نمتلئ بالروح، ونرجع أيضا للعالم ونحن في قوة الروح.

ما كانش ممكن أبداً إن تكون الترتيبات ديه جاءت اعتباطاً، لكن كونه إن هو:

1.             نمرة واحد ← يختلی.

 

2.             نمرة اتنين ← يصــوم.

 

3.             نمرة ثلاثة ← يجوع.

 

4.             نمرة أربعة ← يجرب.

 

واضح إن دي الخطوات اللي بتعيشها الكنيسة، لأن الكنيسة أعضاء جسم ربنا يسوع المسيح اللي عمله، اتعمل لينا.

وبعدين من ناحية تانية اللي يمشي في هذا الطريق يبقى المسيح ماشي معاه في نفس الطريق. ويضاف صوم ربنا يسوع المسيح إلى صومنا الهزيل الضعيف ده ..

لما نقول إن الكنيسة كلها أعضاء في جسم واحد. لازم يكون لها الروح الواحد، وتكون عايشة في هذه الأربعين المقدسة، بصوم حقیقي، يبقى إذا المسيح رأس الكنيسة هو قائد هذا الصوم، ويبقى المتخلف عن هذا الموكب بيحكم على نفسه حكم صعب. لأن رأس الكنيسة صايم. الكنيسة كلها نادت باعتكاف، وبصوم، وبجوع، وتعرضت للتجربة أيضاً.

التجربة :

تيجي للتجربة اللى هو موضوعنا، ولو إننا منقدرش نفصلها عن الصوم زی ما شفنا في ترتيب الوحي الإلهي.

الشيطان راح يجرب المسيح؟.. لا !!.. المسيح اللي راح للشيطان، وده وضع مختلف عننا تماماً، ما يصحش واحد مننا يروح للشيطان علشان يجربه، لكن هذا الوضع مقبول للمسيح .. مقبول للمسيح لأن الشيطان مالوش حاجة في المسيح وما يقدرش .. ما فيهوش ضعفات، ما فيهوش خطية، علشان يعاكسة منها الشيطان، علشان كدة مراحلوش.

لكن ليه المسيح راح؟ إذا كان الشيطان مش قادر يروح للمسيح، لأنه ليس فيه خطية واحدة؟ ولا منفذ للخطية ..

طيب ليه المسيح راح يا أحبائي؟ ثقوا تماماً لابد أن النقطة دي تكون ثابتة في ذهننا، إن المسيح رأس الكنيسة وأن المسيح لم يجرب لذاته، لأن الشيطان ده لا يساوي شيء أمامه، لكن المسيح جرب عنا وانتصر لینا. وقادنا في هذه المعركة الرهيبة اللي فيها أعلن الشيطان كل قوته، وكل سطوته، وانتصر فيها المسيح الانتصار الرائع القوی ده.

فالمسيح هو اللي راح للشيطان، قال له: ياللا نخلص الموضوع القديم اللي بیني وبين الإنسان من أيام لما خرج من الجنة، ويوم لما خرج من الجنة إنت كنت فرحان واعتبرت أن ده انتصار ليك على الجنس البشري.

لماذا تجسد المسيح :

ومن أجل هذا أنا لبست الثوب البشري وصرت أخ ليهم، وشاركتهم في اللحم والدم، وأنا دلوقت جای نيابة عنهم علشان خاطر أمسح العار بتاعهم، علشان خاطر أتجرب، علشان خاطر أخش معاك في معركة، علشان خاطر نشوف مين؟ اشوفك وإنت بتتهزم قدام ولادي، فانتصار المسيح انتصار الكنيسة كلها. أرجع واقول تاني إن المسيح هو الرأس.. والكنيسة الأعضاء، إحنا كلنا أعضاء في جسمه.

انتصار:

انتصار الرب على الشيطان انتصار لينا كلنا، ودي نقطة من الناحية اللاهوتية عميقة جداً.. إن النصرة بالنسبة للإنسان المسيحي ليس حدث متوقع في المستقبل، لكنه حدث تم في الماضي، لأن العدو اللي إحنا بنتعامل معاه اللي هو الشيطان قد هزم فعلاً، مش لسة هيتهزم.

تقول لي طبعاً فيه ناس بيبهدلهم الشيطان الأيام دي، أقول لك هم بكيفهم بيروحوا له هم. مش العيب في الشيطان، لأن قلبهم هم میال للعالم، وميال لهمومه، وميال لإرتباطاته وهم بيروحوا بنفسيهم، برجليهم، وبيبهدلهم الشيطان.

لكن الشيطان ميقدرش ينتصر على أولاد الله أبداً أبداً أبداً. وإن النصرة اللي بنتكلم عليها ليست حدث ها يتم لينا في المستقبل. وموقفي بالنسبة للشيطان قد حدد وانتهى من زمان، من التجربة على الجبل.

الكنيسة المنتصرة هل هي في السماء فقط :

انتصار المسيح في التجربة هو انتصار للكنيسة كلها. علشان كده نفسي نسمی الكنيسة بتاعتنا الكنيسة المنتصرة، لأن التعبير ده دخل لنا من الغرب. شوية يسموا الكنيسة اللي على الأرض الكنيسة المجاهدة، والكنيسة اللي في السماء الكنيسة المنتصرة!!..

إحنا مش ها نسميها كدة، إحنا ها نسمى الكنيسة اللي تحت الكنيسة المنتصرة واللي فوق الكنيسة المنتصرة برضه.

اللي تحت اسمها الكنيسة المتغربة، واللي فوق الكنيسة المستوطنة عند الرب.

يعني الكنيسة اللي وصلت بسلام، والكنيسة اللي في أرض الغربة.

لكن ليه ما نسميش الكنيسة اللي على الأرض الكنيسة المنتصرة إذا كان رأسها انتصر خلاص، دی ناحية مهمة قوي، تخيل معايا بقى، إن الكنيسة دي إحنا كأفراد شعب كده أعضاء في جسم المسيح عايشين في عمق النصرة. تقول لي ما ساعات يا أبونا بنقع وقعات جامدة أقول لك ولا يهمك، لأن الرأس بتاعنا انتصر.

سبب ضعفنا:

لكن وقعاتنا دی سببها وحاشتنا إحنا، لكن إحنا لو اكتشفنا القوة الغير محدودة الكامنة فينا.. قوة الرب يسوع لعاشت الكنيسة في عمق النصرة. ودی مستوى حياة الكنيسة، مش مفروض تعيش أقل من كدة كنيسة الشهداء: يعني كان اضطهاد .. يعني مش زي الاضطهاد بتاع الأيام دی، وكان الاضطهاد اضطهاد، وكانت الكنيسة منتصرة ورافعة رأسها ..

طبيعة كنيستنا :

كانت الكنيسة كنيسة الصلاة، كنيسة العبادة، كان يقول لك يسمعوا أصوات الرهبان في الصحراء زى أبراج الحمام اللي بتناغي کدة، وكانت حياتهم الأسرية حياة مسيحية كاملة، لو دخلت أي بيت مسيحي تلاقي المكان بتاع الصلاة .. تجد العيال اللي حافظة المزامير تجد الترتيل طول النهار .. لو طلعت للغيط أو للزرع تلاقي العيال بيزرعوا وبیرتلوا.

الكنيسة عاشت في نصرة مستمرة، مش عاوز أقول النصرة دي أو الكنيسة المنتصرة دي اسم لسه هناخده في السماء .. لا .. نحن الكنيسة المنتصرة. متغربة عن الرب صح، إن إحنا بنجتاز في الغربة، لكن أنا باسميها بأقول ليه هي الكنيسة المنتصرة؟، لأن الكنيسة ديه رأسها الرب يسوع. إزای ماتكونش منتصرة؟!.. وهو انتصر على الشيطان في التجربة، وسحقه على الصليب، وداس الموت بالموت، وأدان الخطية بالجسد، في كل الاتجاهات حارب وانتصر، الشيطان على الجبل، والشيطان تحت الصليب والموت كسره، ودان شهوات الجسد في الجسد، لأنه حمل خطايانا كلها على الخشبة.

هو ده المسيح بتاعنا اللى مش عايز أتحرك حركة في الصوم من غير ما أكون لازق فيه. هو رأسي هو رأس الكنيسة.

أرجوك ما تصومش، وارجوك ما تحاولش تجاهد، لكن الأول اكتشف إنك عضو في جسد المسيح، وبعدين صوم وصلى وجاهد، هتلاقي الأمور كلها مفرحة ولذيذة، وسهلة، لأنه طبعا لما يكون المسيح هو قائد كل حركاتنا يبقي وضع تاني خالص.

الصوم :

إمتى يبقى الصيام عبء، والتجربة عبء، ومرة خايف ومرعوب من الشيطان، لأن إحساسي بفردیتي.

تعريف الكنيسة:

عايز أقول إن الكنيسة جماعة المؤمنين، جماعة المؤمنين ده تعبير ناقص خالص لأن أي جماعة ممكن تقعد في أي حتة،. لكن الكنيسة أعضاء في جسم المسيح علشان كدة لنا أب واحد، لنا أم واحدة، لنا معمودية واحدة، لنا روح ما لناش روحين، لنا جسد واحد بنأكله.

أنا اتعلمت الدرس ده وأنا شاب صغير زمان يمكن من ١٥ سنة وأنا لسه قسيس جديد کدة… الشاب ده لطيف تقي حلو كدة، عندنا في الكنيسة – مش موجود دلوقت – وبعدين وهو بيعترف، قعد يعترف بخطايا صعبة شوية، أنا ما كنتش مصدق، قلت إيه يا أخويا ده بيتكلم عن نفسه ولا الولد ده بوشین، جوة الكنيسة شكل وبره الكنيسة شكل؟!!، وبعد ما يعترف وتنزل الدموع من عينيه يقول لي إديني يا أبونا عقاب علشان الخطايا بتاعتي دي أو حاجة تدريب ويقوم ..

وبعدين أنا احترت في يوم من الأيام، وقلت له ليه إنت بتحکی خطايا وأنت في الكنيسة لك سلوك معين؟!..

فقال لي يا أبونا أنا ساكن في شقة ولي زميلي مسیحي ودي خطاياه هو مش أنا، مش أنا وهو جسم واحد؟!.. هي خطيته يعني مش بتجرح المسيح زي ما خطيتي بتجرح المسيح؟..

قلت يا سلام أهو ده الإحساس العميق اللي وصل إليّ .. إن فعلاً الكنيسة كلها جسم واحد أعضاء ورأسها هو المسيح، وكل ما أنا أجرحه أو إنت تجرحه ما فرقتش أبداً..

بهذا الإحساس ممكن نصوم.

وبهذا الإحساس ندخل في التجربة،

وبهذا الإحساس نحتمل ضعفات إخواتنا ،

وبهذا الإحساس تبقى خطية أوحش انسان في الكنيسة هي خطيتي أنا..

إيه الفرق؟ ما هو مسیح واحد مش اتنين، لو كانوا اتنين كنت أعمل زي الابن الكبير، ساعة لما قال لأبوه: وأنا مالي أنا ما عملتش حاجة وحشة، هو ابنك الضال ده الوحش اللي زي الزفت لكن أنا باستمرار في طاعتك..

فالكنيسة في حركتها، في صومها، في اعترافاتها، كنيسة واحدة، في آلامها، في جرحها جرح واحد، في خطايا، إذا كانت كل خطايانا بتتحط على الذبيحة يبقى إيه الفرق بين خطيتي وخطيتك؟!..

المسيحي الحقيقي:

مفروض علشان أكون مسیحی مضبوط أبتدي أحس باحساسات كل فرد في الكنيسة. وأول ما أخويا ما يعمل خطية تبقي خطيتي أنا بالضبط ما فيش فرق. لأن الأيد دي والأید دي واحد الاتنين، وأول لما نتحرك للصوم نتحرك كلنا بقوة واحدة، ولما نعيش في حياة النصرة نعيش ككنيسة واحدة، قوية منتصرة.

التجارب:

خرج المسيح رأسنا ليجرب من إبليس جربه ثلاث تجارب يمكن الرسول تعرض لهم مرة تانية قال: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، أعتقد هم دول الثلاثة:

الأولانية الخبز، والتانية شهوة الجسد، وشهوة العين وممالك الأرض، والثالثة تعظم المعيشة إرم نفسك من فوق، هم دول التجارب اللى عرضهم الشيطان.

اشمعنی تلاتة؟.. خلى بالك كويس.. صدقني لو درست التلات تجارب دول كويس خالص ها تبقى إنت غطيت كل مجال الحرب بتاع الشيطان معاك، لأن التجربة دی مش حاجة كدة في السكة، التجربة دي متخططة ومترتبة كبرنامج محكم جداً، كفاية التلاتة دول شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ها نبقى نرجع لهم تاني.

نبتدي بشهوة الأكل، يقول له: حوَّل الحجارة إلى خبز، قال له بس ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لكن بالمسيح يحيا الانسان، لأنه معنى أنه بيقول له بكل كلمة تخرج من فم الله، المسيح كلمة الله، يبقى عايز يقول له: بالمسيح يحيا الانسان.

وبعدين عايز يقول: يا بعيد يا شيطان يا غبي، ما هو أنا المسيح كلمة الله، إذا كانت الآية بتقول ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله، يبقى أنا الحياة كلها، إنت بتقول لى إيه؟!.. فالمسيحي شخص أخذ الحياة الأبدية في شخص الرب يسوع، إذاً هو الحياة.. أنت بتكلمني دلوقت عن الحياة بالخبز وليه أخد الخبز؟!.. لأن الخبز له تأثير خطير جداً في حياة الانسان.

حكم العادة يحكم الانسان من طفولته بيلاقي رغيف الخبز يأكله الصبح والظهر وبالليل. وإذا كان فقير أو غنى أو مريض أو سليم، آهو لازم ياكل العيش، فحتى اسمها لقمة العيش، فأصبح الإنسان عنده إحساس في كل كلمة يقول لك: بس حتى الواحد يجيب لقمة عيشه، إحساسه إن العيش ده هو اللي بيعيشه.. المسيح قال: لا، .ما هو أنا اللي خالق العيش، وأنا اللي خليت النفس دی تدب فيها الحياة، وأنا اللي وهبت العيش ده الحياة علشان يديه لكم، لأن ده كان مدفون في الأرض بذرة، وطلعت شجرة، وبقت قمح، واتطحن وأديته لكم عيش لتعيشوا.

الخبز ما يديش حياة:

لكن اللي عايز أقوله إن عايزك وإنت بتاكل رغيف العيش، وأنت بتاكل رغيف العيش متنساش إن العيش كمادة ما يديش حياة، لكن الحياة جوه العيش “الله نفسه” علشان كدة أنا بأصلى على الأكل، علشان كدة أنا بأحس أن اللقمة دي بيديهانی ربنا، ليس بالخبز وحده، ربنا عايز يخلع مننا هذا الإحساس، الانسان بيعرق طول النهار ويقول لك علشان لقمة العيش.. لقمة العيش.. لقمة العيش.

فالتجربة الأولانية تجربة الخبز والخبز ده حياة الإنسان كلها، آدم قبل السقوط كان له حياة غير مستقلة عن الله، كان يحس كدة إن ربنا بس، الصبح کدة مع ريح الصباح يسمع صوته، يعيش على ديه طول النهار.. ويقعد قلقان طول الليل يمكن يطير نومه كله في انتظار يسمع صوت ربنا مرة تانية، أكلته كل يوم ياكل أكلة من ربنا يسمع صوته ويعيش عليه.. كل يوم يقرا الإنجيل مثلا بالنسبة لينا.. ياخد آية ويعيش عليها، تقرأ إنجيلك كدة ده تدريب مهم خالص، خد آية ولو واحدة وترددها طول اليوم تعيش عليها، وتجرب كدة, ممكن الآية دي تديك قوة حياة زي الخبز ولا أكتر كمان، زي “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان”، وبعدين كل ما نتعمق في العصر المادي اللي إحنا فيه ده تبقى مشكلة الخبز هي المشكلة الأساسية لكل الشعوب وللعالم كله، ويبقى الخبز هو حياة البشرية. والمجاعات بتاعته بسبب عدم وجود الخبز، وبعدين الناس اللي عندهم خبز كتير وفايض عنهم، دول في ملء الإطمئنان، لكن تبص تلاقي يفاجئهم أمور كثيرة: مشاكل، ضيقات، أمراض، أتعاب، موت، ولا الخبز ينفعه حاجة!!..

الراجل الغني اللي خزن في مخازنه قال له يا غبي في هذه الليلة تطلب منك نفسك، خللى الخبز ده يديك حياة!..

المسيح لما علق بقى على الحتة دي، قال لهم: اسمعوا أنتم لسة مش هتقدروا تعيشوا كويس، لأنكم مش فاهميني أنا رأس الكنيسة، وأنتم أعضاء في جسم الكنيسة، طب يبقى الحياة تيجي منين؟ أنا الكرمة وأنتم الأغصان.. الحياة جاية مني..

المن:

تعرفوا في العهد القديم كنت بأنزل لكم المن من السماء، بيتعجن ويتخبز في السماء. تخيل هذا بقى.. آباؤكم أكلوا المن ده وماتوا!.. وأمال إحنا إيه؟.. قال: لا.. أنتم يا كنيسة يا بتاعة العهد الجديد أعضاء جسمي، بقت حياتكم مني أنا.. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا.. ولكن أنا هاديكم جسدي ودمي، ده هو تاكلوه وتعيشوا فيه حياة أبدية، ولا يهمكم حتى القبر، ولا التراب، ولا أي ضيق في هذا العالم، لأن أنتم كنتم الحياة نفسيها، بيقول له يا شيطان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لكن بي أنا كلمة الله يحيا الانسان، فأنا الحياة.

یا بخت الانسان اللي أخد المسيح حياته، يقول عنه ربنا لن يموت إلى الأبد، ممكن تعيش هذا الإحساس؟.. وبعدين احساسنا في التناول يكون إزاي؟ لو تاخد بالك تلاقيه مترتب ترتيب.

التجربة على الجبل، صوم، وجوع، واشتياق، وبعدين أكل جسد الرب ودمه، ونصرة وراء بعض.

علشان كدة حتى في الأيام اللي ما فيهاش صيام لازم نصوم قبل المناولة تسع ساعات، أو نصوم من الساعة ۱۲ بالليل.. علشان إيه؟.. عايز أمر في نفس الطريق اللي مر فيه المسيح.. صام، وجاع.

وبعدين قال طب حول الحجر إلى خبز.. قال له: لا.. ما تحياش بالخبز لكن بكلمة الله، فين كلمة الله، على المذبح؟ جسده ودمه المذبوحين من أجلنا..

دي التجربة الأولي.. تجربة الخبز، تجربة حياتنا كلنا..

عاشها دانیال.. قال له جربنی عشرة أيام.. وقال له إنت عايز تحط راسي تحت السيف؟. الملك قال لازم تاكلوا وتشربوا کویس، قال له جربني، الحياة مش بالعيش، ولا بالخمر بتاع الملك، ولا بحاجات.. جربني عشرة أيام .. إديني القطاني.. إديني بس.

وفي نهاية العشرة أيام كان أجمل وجه من كل زملائه، وصحته أحسن، وكان عقله وذكاؤه أعطاه الله حكمة أحسن من كل حكماء عصره، فأصبح واحد عايش بقوة ربنا.

كيف تعيش الكنيسة؟..

اختبار الكنيسة النهاردة بأن هي تعيش بالحياة الأبدية بالمسيح، مش تعيش بالخبز، الكنيسة النهاردة بترتكن على السند بتاعها، الوقف بتاعها، الفلوس بتاعتها، المقتنيات بتاعتها.

إحنا كأعضاء في جسم الكنيسة برضه حياتنا كلها بتلف حوالين النقطة دي.

لكن إذا وصل الانسان المسيحي فعلا إن حياتنا من الله فعلاً، وأنه هو واهب الصحة، وواهب القوة، يبقى هيبقى زي دانيال..

ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله، لو ابنك ما أكلش الصبح أو ما أكلش الظهر تبقي زعلان جداً. والأم زعلانة وتقول الواد صحته بالبلاء، ولكن لو ما قراش الإنجيل،. أو ما أخدش الآية كتبها في قلبه ورددها واجتر فيها طول النهار دی ما تهمش!!.. طب وإيه يعني ها يعيش آية؟ بتدي له حياة الجسد.. تراب ولد تراب.. إدي له حياة الروح.. اهتمينا بالجسد كتير، اهتمينا بالأكل كتير.. اهتمينا باللبس كتير جداً جداً جداً فوق الوصف، والعصر ده اسمه عصر اللبس.. عصر الجسد.. ولكن ليست الحياة من الله!!.. معاك قرشك في جيبك تقدر تعيش، مامعكش مليكش حياة!!..

لا يا أحبائی ستظل نفوس شاهدة أمينة أن حياتها من الله، وتعيش في أعماق نفسها أنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.

التجربة الأولى تجربة الخبز.

التانية: أوقفه الشيطان على جناح الهيكل وقال له إن كنت أنت ابن الله..

أنا عاوز أربط بين التجربتين:

التجربة الأولانية يقول: إن كنت أنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا ،

والتجربة التانية بيقول له: إن كنت أنت ابن الله فالق بنفسك إلى أسفل .

يبقى التجربتين لو تشوف المقدمة بتاعتهم، تلاقيها واحدة، إن كنت ابن الله.

فالحرب هنا جاية من أين؟ الحرب تشكيك.. حرب نفسية فيها تشكيك إن كنت أنت ابن الله عايز يشككني إن أنا ابن لربنا.. لأن أنا مسنود على ربنا.. وبأقول ده أبويا السماوي.

الأب السماوي:

وكل يوم أصلي وأقول أبانا الذي في السموات.. إذا كنت أنا مسنود على ربنا فهو يقول لي تعال بقى أعمل امتحان لربنا اللي بتسميه أبوك السماوي، وخليه يخش في الامتحان ده، وإن كان هو أب فعلاً يجيب لك طلباتك.. هو کدة، الأب.. يعنی الأب مش يبقى أب بالفعل، ولا أب بالكلام؟!!.. قال جينا للجد أهو.. قال الامتحان آهو..

إذا كان ربنا ده أب فعلا ينجحنى في الامتحان..

إذا كان أب يخلي العيال طريقهم يبقى سالك وكل حاجة كويسة .

إذا كان ربنا أب .. شوف التجربة بدأت ازای .. إن كنت أنت ابن الله

وصدقوني يا إخوتي إحساس إن ما فيش حد مننا أو الشيطان نجح فعلا في حربه مع الكنيسة إنه يشكك .. يشككنا في أبوة الله..

وكلمة أبانا الذي في السموات بتتقال کر فر کدة، یا داری بیها یا مش داري بيها!!.. لكن حقيقة إن مسيحيتنا كلها بتدور حوالين إن الله أب لينا. إذا صليت صل في مخدعك، وصل لأبيك.. إذا صمت ما تخليش حد يعرف، وأبوك هو اللي يعرف، إذا أعطيت صدقة أبوك السماوي يديك، كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل، لم تأخذوا العبودية بل روح التبني الذي له نصرخ: يا أبانا الآب..

فقدان روح المسيحية في العصر ده سببها وصل شر الشيطان إن هو يشككنا في أبوة ربنا.. أب شهم.

فعلشان كده الشيطان بيحارب المسيح .. ويقول له إن كنت ابن الله في تجربتين..

وإن كنت؟ دی أسلوب تشكيك قديم.. من أيام حواء، لأنه هو قال: هل حقاً إن الله قال لكما: لا تأكلا من كل شجر الجنة.. يا كذاب! هو حتى ربنا قال شجرة معرفة الخير والشر، وأنت تقول من كل شجر الجنة؟!!.. وحقاً إن الله، صحيح الحكاية دي؟!. أما حاجة عجيبة صحيح على ربنا ده منين أب؟!.. ومنين حنين عليكم ومنين بيقول لكم: إن أنا اللي يمسكم يمس حدقة عينه، ومنين إن هو بيقول بذل ابنه الحبيب من أجلنا.. ومنين كل ده؟ ومنين هو حارمكم من الشجرة ديه شجرة معرفة الخير والشر، فين الأبوة دي؟!!.. دي ناحية خطيرة خالص.

يمكن إحنا سمعنا في الأحاد اللي فاتت عن أبانا الذي، وأن الله نفسه عاوز يخلينا کأولاد عايشين إيه، بإحساس البنوة العميق، كل رأس مال مسيحيتي إن أنا لي أب سماوی.. أب حلو.. أب قدير.. وأب عظيم.. وأب بيحبني وأنا زي الزفت خالص.. وأب حضنه عمره ما اتقفل في وشي.. في عز خطیتي وبأقول لك بالاختبار يعني.. حتى في وسط الخدمة ولو أحد غرقان في خطيته.. الخدمة تنجح أكتر!!.. كان ربنا يعلمني كدة.. ويقول لي أنا برضه حنين على الخدمة مش ها عاملهم بمعاملتك.. في حیاتي الوحشة دي ربنا ينجح طريقي أكتر!!.. كنت اتكسف وأقول إيه الأبوة دي كلها!.. أبويا السماوي وحضنه مفتوح.. ولذته أنه يحط شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني.. دی متعته، يقف كدة يحضن فيَّ.

هكذا عاش القديسون في أبوة الله الكاملة عاش أولاد الله.. عاشت الكنيسة، عاشت الكنيسة كدة.. مش هاقول كما تجمع الدجاجة فراخها، المثل اللي قاله المسيح.. لا.. أكتر من كدة.. ده أهو بس کدة حب يديهم مثل بسيط.. التجارب أهية بسيطة یعني.. لكن أنا باتكلم عن ربنا، مش يقول جمعهم تحت جناحيه، يقول حملتكم على أجنحة النسور.. ده أنا شلتكم على أجنحتي كدة وطرت بيكم.. والشيطان هنا هدفه الأول أنه يشككني في أبوة الله.. أبوته ليَّ: إن كنت أنت ابن الله بصحيح..

وبعدين ها نيجي عند نقطة مهمة خالص إحنا دايما بنقف فيها في العالم.. صحيح إحنا أولاد ربنا.. ولا مش ولاد ربنا؟..

إن كنا أولاد ربنا.. ليه ربنا بيسيبنا، ويبتدی التشكيك ده؟!!..

إن كنا أولاد ربنا.. وهو لازم نبقى شكله.. شكل أبونا السماوي..

إن كنا أولاد ربنا.. ما هو لازم نبقى أولاد قديسين..

وإن كنا ولاد لله.. فيبقى آمالنا في السماء عند ربنا..

المولود من الجسد جسد، والمولود من الله أو من الروح روح..

أعطانا سلطان.. شوف بقى مش ولدنا.. أعطانا سلطان أن نصير أولاد الله!..

مولودين لا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا، والكلمة صار جسداً.. ولما يتكلم بقى يقول: أيها الآب، أنا ابنك بالطبيعة، ودول أنا جبتهم لك بالتبني.. أريد أن هؤلاء يكونون معي حيثما أكون أنا.. وأريد أن يكون فيهم الحب الذي أحببتنی به وأكون أنا فيهم.

مشوار الصوم بتاعنا وإحنا ماشيين في طريق التجربة.. نعيش وإحنا راسنا مرفوعة كدة، لأن النصرة حقيقة عاشتها الكنيسة ونمت فيها، ونعيش كدة، ونمشي كدة، وإحنا في حضن أبونا السماوي في الصيام.. بإحساس إن الحياة كلها من الله، وليست من الخبز أو من أي انسانية بشرية، لكن الله هو واهب الحياة بتاعتنا كلها.

بعدين التجربتين التانيين، واحدة كانت بيقول له ترمي نفسك من على جناح الهيكل.. لأن فيه تقليد يهودي في التلمود بيقول كدة: إن المسيح لما هيجيي هيجيي علی جناح الهيكل.. الشيطان خبيث وكان قاري التلمود وعارفه كويس، وعارف إن المسيح عارف كل حاجة في التلمود، فقال له: تعال على جناح الهيكل علشان يديله إيه؟.. هو فاكره إنسان عادي – علشان يديله إحساسه، العظمة.. المسيح لما هيجيي هیجيي علی جناح الهيكل.. فقال له: تعال على جناح الهيكل، قال له ايه ارم نفسك وهو يبعت ملايكته يخدمونك .

المسيحية تميل إلى الإتضاع الكامل.. ليه أرمي نفسي؟!!.. وليه الحركات البهلوانية دي!!.. ده إحنا ما عندناش معجزة في الكتاب المقدس فيها ناحية اندفاعية كدة, المسيح ده لما يشوف واحد بيقول لما رأى ابن أرملة نايين تحنن يسوع وقال لحاملي النعش قفوا، فلمس النعش وقام.

لما لقي الناس جعانة أكلها ..

معجزات ربنا يسوع ممزوجة بحبه وعطفه وحنانه..

اطلع على جناح الهيكل.. والاستعراض ده ليه؟.. وإيه تعب كنيستا أكثر من الاستعراض؟!.. وزمان كان كل حاجة في الكنيسة على رأي المثل البلدي تداری علی شمعتك تنور.. الأقباط كدة عبادتهم سرية وعلاقتهم مع ربنا في الخفاء.. ومخادعهم تزلزل معاقل الشياطين.. وعبادتهم في الكنيسة في هدوء واتضاع ووداعة.. ودي الصفة المميزة. كل مجد ابنة الملك من داخل.

وكان المسيحی مسیحی .. بإيه مش بعضلاته بقوته اللي جوه.. بايمانه الجبار، كانوا بيضحكوا عليهم يفتكروهم ما يستحملوش، يطلع عيل صغير زى كدة يخوف قائد.. إيمان قوي.. جبروت داخلي..

كل مجد ابنة الملك من داخل .. إمتى يرجع الوقت اللي الكنيسة تستعيد مجدها من جوه مش من بره مش من الزخرفة الخارجية .

والتجربة التالتة يقول له: أديك ممالك الأرض.. أولاً هو كذاب وأبو الكذاب.. ولا ها يدي ولا حاجة، لكن هو دي طريقته شهوة العيون.. بص كدة!!.. طب إحنا عايشين التجربة دی دلوقت شهوة العيون..

شهوة العيون مشكلة الانسان النهاردة، مشكلة اللي في بيته ويبص على الحاجات اللي في بيت جيرانه ومش في بيته.. مشكلة البنت اللي تبص لفستان زميلتها ومش لابسة زيه.. مشكلة اللي شاف حاجة من بره واللي ما شافش حاجة..

مشكلة العيون.. يقول لى أديك كل دي بقى.. ياللا بس مشي ورايا وأعطيك جميع ممالك الأرض.. أدىهالك وتملأ عينيك منها، مش عايز تبقى ملك؟.. قال له: يا شيطان یا غبی یا بائس.. أنا جاي أمْلك مُلك روحي.

لسة ناس بتتكلم عن الملك المادي على الأرض.. لسة اليهود مستنيين المسيح يجي ويُمْلك في أورشليم، وبيحاربوا وبيعملوا.. لسة كل ده.. لسة الناس بتفكر أن المسيح هييجي يُملك مُلك أرضي.. المسيح مَلَك وخلاص.

اسمع المزمور بيقول ايه “الرب قد مَلَك (فعل ماضي) على خشبة”.. على الصليب.. وهو على الصليب قال كدة: أنا إن إرتفعت أجذب إليَّ الجميع، المسيح مالِك على قلبنا كلنا.. مين يفرط في المسيح لو إدوله العالم كله؟!!.. يعني لو الشيطان جالك وقال لك خد ممالك الأرض كلها واسجد ليّ.. تقول له: لا.. ماسجدش غير للمسيح هو مَلِکی.

فمُلك المسيح تم فعلاً على قلبنا.. لكن أرجع تاني وأقول شهوة العيون.. شهوة العيون.. علشان كدة ربنا قال آية خطيرة جداً قال: “سراج الجسد هو العين”.. إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نیراً وإن كانت عينك إيه بقى شريرة فجسدك كله يكون مظلماً.. النهاردة مطلوب العين البسيطة.. العين اللي بتشوف مجد ربنا.. العين بتاعة الطفل اللي فيها البراءة.. العين اللي هي مش عین حاقدة، ولا عین حسودة.. ولا عين شهوانية، ولا عين بتشتهي.. ولا عين ما يملهاش غير التراب.. العين اللي قال عنها سفر الجامعة “العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تشبع من السمع، كل الأنهار تصب في البحر والبحر ليس بملآن”.. تشبع إمتی ؟ ..

دي التجربة التالتة وبعدين إتخزي الشيطان ..

أنا مش عاوز أطول لكن هو ده منهج لحربنا..

فالشيطان بيحاربنا بتجربة الخبز وتشكيكنا في بنوتنا لله، ورعاية الله للكنيسة في شوية اضطهادات، في شوية مشاكل وبتاع.. يحاربنا بالشكلية في الكنيسة علشان يخلى المجد بتاعنا مجد خارجي.. في منظر الكنيسة والأبنية الفخمة.. إلى آخره، ما يخليهوش جوة الانسان..

وبعدين يحاربنا بشهوة العين ..العين دية.. علشان العين دية متستريحش أبداً.. تنتها زايغة زايغة زايغة.. وإيه، على رأی واحد من آبائنا يقول لك العين دی عاملة زى الكاميرا تعمل النيجاتيف (negative) العفريتة دي، تعمل النيجاتيف دی تطبع عليها كم صورة؟، تطبع زی ما أنت عاوز تطبع: ألف، الفين، عشرة آلاف صورة، تبص تلاقي حاجة دخلت عينك ويمكن عدى عليها يمكن عشرة أو خمستاشر سنة!!.. تكون نايم في حلم وتحلم بيها تاني، صورة مطبوعة جوه، يعني بس مجرد تتطبع على النيجاتيف دي تطبع صور صور صور صور ما لهاش بداية ولا نهاية.

الشيطان اتخزى، واتخزى لأن المسيح كشف طرق الحرب بتاعته التلاتة، وسلمهم لنا وديعة، وقال: يا أولادي أنا رأس الكنيسة بتصوموا وبتجوعوا وعيشوا ليَّ وانتصروا .. وآدی إيه فتشت كل تكتيك الشيطان.

دلوقت إذا سرقنا او أخدنا كل الخطط اللى هو رسمها لإسقاط الجنس البشري، اتكشفت كلها مفيش خطة لسه مستخبية، أهي معانا آهية.. طب لما أنا أعرف كل خطط العدو وأماكن الضعف بتاعته، ما هو أنا أبقي انتصرت خلاص، نصرة لأن المسيح رأس ونصرة لأن المسيح انتصر من أجلي.

ونصرة ليَّ كشفت كل نقط ضعف الشيطان قال له: ياللا بقى مع السلامة.. ويقول معلمنا لوقا “وتركه إلى حين”.

الشيطان ميتعبش، وجاء له مرة تانية عن طريق بطرس وقال له ما أعرفش إيه؟.. وقال له المسيح: اذهب یا شیطان، هو جه استخبى فيه، ورجع له عند الصليب وقال له: إن كنت أنت الله خلصنا وخلص الآخرين!!.. دولت معاك.. لكن ليس له فيَّ شيء.

رئيس هذا العالم آت لكن ليس له في شيء.. وجاءت الملائكة تخدمه كإعلان الهی للكنيسة أن الملائكة عمالة تخدم فيها، خدامينها يسعفوها، ويتوبوا الناس، علشان يقربوا لربنا، ويرفعوا صلواتنا للسماء، الملايكة عمالة تشتغل شغل في الكنيسة. الملايكة بتخدم في الكنيسة باستمرار، جات ملايكة لتخدمه.

لالهنا المجد دائما أبديا آمين.

أحد التجربة – المتنيح القمص لوقا سيداروس[15]

الظلال والرموز

معلوم أن الأمور التي حدثت في العهد القديم كانت رمزاً ومثالاً للأمور العتيدة، أكملها المسيح من أجلنا … فنحن نقرأ عن شعب الله قديماً عند خروجهم من أرض مصر، انهم عبروا البحر الأحمر، وهذا العبور كان رمزاً للعمودية “جميعهم اعتمدوا لموسى في البحر الأحمر” .. وبعد المعمودية خرجوا إلى برية سيناء أربعين سنة ملوءة تجارب. وقيل أن جثثهم سقطت في القفر، وانهم تذمروا على الله، وعلى موسى. وأرتابوا في مواعيد الله، قائلين: “أفي وسطنا الرب أم لا؟”. وباختصار كانت سيناء برية تجارب أنتصر فيها الشيطان، وأسقط الشعب في العصيان والخطية.

أما في العهد الجديد فالمنظر يختلف تماماً، فالمسيح المبارك أخذ شعبه (الكنيسة التي هي جسده).. وجاز به بحر العماد وقدسه بالروح القدس النازل من السماء مثل حمامة .. ثم دخل بنا إلى برية التجارب أربعين يوماً وأربعين ليلة. وكل ما فشل فيه إسرائيل قديماً، أكمله الرب لنا. وكل سقطاتهم حولها الرب إلى نصرة لشعبه. وباختصار كانت برية الأردن هي المعارك التي انكسر فيها الشيطان وتحطمت قوته، وصار ذليلاً مطروداً بعد أن أذل حياتنا وحطم إرادتنا كل الأجيال.

تجربة الرب وصلبه

بين الخروج إلى البرية، والخروج إلى الجلجثة، إرتباط سری وعجيب، فكلاهما صنع الرب من أجلنا. وكلاهما كان خروجاً إرادياً حسب التدبير والقصد الإلهي.. وبرية الصوم بالنسبة للجلجثة كانت مثل المدخل إلى الموضوع الرئيسي على الصليب حمل الرب خطايا العالم كله.. اجتمعت على رأس الذبيحة حمل الله. حتى قيل أن الذي لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا.. وقيل أيضاً أن الرب وضع عليه أثم جميعنا.. وهو قد حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين.. ومع أن الرب حمل خطايانا، إلا أنه لم يتسخ بها، لأنه لم يعمل ظلماً، ولا وجد في فمه غش. ووقوعه تحت نير خطایانا بإرادته على الصليب لا یعنی مطلقاً أنه خاضع للخطية، أو أنه مستحق للدينونة، حاشا. على هذا القياس دخل الرب إلى برية الصوم ليجرب من إبليس، وكما اجتمعت التجارب التي يشتكي بها عدو الخير على جنسنا، اجتمعت التجارب كلها وتركزت لكي يجوزها الرب عنا ويبطل قوة المعاند، كما داسه على الصليب, لقد ذكر الإنجيل ثلاث تجارب بالتفصيل فقط.

لكن ختم التجارب قائلاً: لما أكمل إبليس كل تجربة. وهذا معناه أن إبليس حاول كل محاولاته، واستخدم كل أسلحته التي طالما أسقط بها جنسنا. لكي يتم ما قيل عن الرب أنه مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. وكما داس الموت، بالموت على الصليب سحق التجارب بتجربته على البرية.

اذهب يا شیطان

من أين للطبيعة البشرية هذه الكلمة؟.. من يعطيها قوة للوقوف ضد العدو الشيطان؟.. ومن يستطيع أن ينتهر حرکاته المغروسة فينا؟.. من استطاع أن يقف أمام الناموس الذي يعمل في أعضائنا ويسبينا إلى ناموس الخطية؟.. إن الحقيقة المؤلمة أنه لم يستطع إنسان على وجه الأرض، ولا أعظم رجال الله القديسين أن ينتهروا الشيطان ويطردوه في وقت تجاربهم. هذا العدو المشتكى على جنسنا الذي طرح كثيرين جرحی وکل قتلاه أقوياء.. هذا الذي كان من البدء قتالاً للناس. ولكن يا لقوة الكلمة التي قالها الرب، ویا للنصرة التي أخذناها على الشيطان بصوم المسيح وتجربته.

حقاً ما قاله بولس الرسول: “الذي من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره”. الآن في المسيح نستطيع أن نقولها كل يوم: “اذهب یا شیطان”. وفي كل مرة يتقدم المجرب ليجربنا، إن كان من جهة تجارب الشهوات الجسدية كتجربة الخبز، أو تجربة المجد العالمي الزائل، أو تجربة الكبرياء، أو التشكيك في بنوتنا لله “إن کنت ابن الله”، يحق لنا في كل هذه التجارب أن ننتهر الشيطان ونطرده بكلمة المسيح الساكن فينا, “اذهب یا شیطان”.

الآن نفهم معنى الآية “قاوموا إبليس فيهرب منكم” . وأيضاً “إبليس عدوكم يجول کأسد … فقاوموه راسخين في الإيمان”. لقد أعلن الرب إنكسار الشيطان قائلاً: “رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق”.

ترکه الى حين

لما أكمل إبليس كل تجربة تركه إلى حين.. إنكسر العدو وطاشت سهامه وانفضحت قوته أمام المسيح المبارك وترك الميدان وفر هارباً.. ولكن إلى حين، فالشيطان في حروبه معنا لا يعرف اليأس. لقد عاد الشيطان مرة أخرى يقول للرب: “حاشاك يا رب أن تصلب”، فطرده الرب قائلاً: “اذهب عني یا شیطان أنت معثرة لي لأنك لا تطلب مجد الله، بل مجد الناس”، ثم عاد الشيطان مرة أخرى والمسيح معلق على الصليب، وقال على لسان اللص الشمال والصالبين: “إن كنت إبن الله فانزل عن الصليب”.

كذالك نحن نؤمن أن حروبنا ضد الخطية، وضد الشهوات، وضد العالم، والشيطان والجسد.. لا تنتهي، وإن تركنا الشيطان فإنه إلى حين.. لذلك ليس حسناً ما نسمعه عن أناس يثقون في أنفسهم أنهم يخلصون وأنهم أبرار.. ولكن لننتبه أكثر إلى المكتوب “لست أني قد نلت أو صرت كاملاً بل أنسى ما هو وراء وأمتد فيما هو قدام”. ولنكن مستعدين دائماً لملاقاة العدو بالسهر والصلاة و الإتحاد بالمسيح لئلا ندخل في تجربة وفخ.

إن كنت ابن الله

أخيراً يلفت نظرنا أن العدو الشرير يصوب سهامه لكي يشككنا في علاقتنا بالآب، ففي تجربته للمسيح كان يقول له: “إن كنت إبن الله….”.

أليس هذا ما يحدث في حياتنا، وفي تجاربنا مع العدو، أنه دائماً يبذر بذور الشكوك في أفكارنا..

مادمنا أبناء الله فلماذا نضطهد؟.. ولماذا نصاب بضيقات وأوجاع؟.. أين عناية الله بنا؟.. وأين محبته وأبوته الصادقة نحونا؟.. لو كان الله أبونا الذي يحبنا، لماذا يتركنا للألم ولتجارب الناس الأشرار؟..

ولكن بنوة المسيح للآب حطمت كل شكوك العدو وكسرت كل سهامه. والآن نحن أولاد الله بالمسيح، ولنا ثقة في مواعيده وفي أبوته، كقول يوحنا الرسول: “لنا ثقة من نحو الآب ومهما سألنا ننال منه.

 

 أسلحة النصرة للمتنيح القمص يوسف أسعد

طبيعة صراع التائب مع الشيطان حينما تلتقى نعمة الله مع التائب، وتقوده إلى التوبة الصادقة في محضر الله والكنيسة والناس.. فإنه يخرج من قبالة الله مع كل ضعفة من ضعفاته بكل القوة الكائنة في الله المحب الذي وعد أن «يعطي المعی قدرة، ولعديم القوة يكثر شدة» (أش ٤٠ : ٢٩) . إن الإنسان الذي نفر من الخطية وأقر بها يجد ذاته في محضر الله القوى الذي يقف معه في كل صراع ضد إبليس ويغلب أيضاً. ونشكر الله أنه اختار لنفسه لقب «الأسد الخارج من سبط يهوذا» (رؤ٥ :٥)، لأنه إن كان إبليس خصمنا «أسد زائر يجول ملتمساً من يفترسه» (١بط ٥ : ٨) فإلهنا في قوته أسد غالب بالنصرة يحامی عنا ويغلب بقوة.  ما أعظم ما اختبره مار بولس الرسول إذ قال «ولكن الرب وقف معی وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأنقذت من فم الأسد وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني ..» (٢ تى ٤ :١٧ ،١٨)

 إن ملكوت الله الذي قال عنه الرب يسوع أنه «في داخلكم » يأتي إلى التائب الذي فرغ ذاته أمام الله والكنيسة، ليحل في داخله بقوة وشدة تؤازر» مؤازرة صادقة ضد عدو الخير.

مبارك هو الرب الذي أعطى تلاميذه الاثني عشر – كنواة للكنيسة كلها – «قوة وسلطاناً على جميع الشياطين» (لو ۱:۹).  هذه القوة والسلطان مازالت تنتظر التائب وهو يخرج من حجال الله والكنيسة تائباً.. لذلك تجده منشداً نشيد مار بولس الرسول: «فقال لي الرب: إن قوتي في الضعف تكمل» (۲ کو ۹:۱۲).

 يا عزيزي إن قوة الرب وشدته التي تؤازرك في التوبة، مع إقتدارها في الخلاص والنصرة إلا أنها لا تمثل بالنسبة لك سهولة في الجهاد أو تقدم لك أرضية مفروشة نحو الملكوت. لأن إبليس ينتظرك بعد كل لحظة مقدسة تقضيها تائباً في محضر الله والكنيسة بمكائد وحيل كثيرة ومتنوعة، ولن يفتر في مهاجمتك مع أنك تحمل قوة الرب وشدته . وهذه المكائد لم ينجو منها تائب، ولم يخفيها قديس.. لأنها طبيعة في الشيطان أن يقاوم كل سبل الله المستقيمة في التائبين. ولكن هذه الطبيعة الشريرة بنعمة الله تذلل في الحياة التائبة. وإن كان في القديم قد أقام الله فرعون يطغي ويذل شعبه إلا أنه قال لفرعون: «أني لهذا بعينه أقمتك لكى أظهر فيك قوتی ولكي ينادي بإسمي في كل الأرض» (رو٩: ١٧)، (خر ٩: ١٦). فقوة الرب وشدته في التائب تذلل كل مكيدة وتظهر كل دنس يلقيه الشيطان بكامل قوته وأسلحته.

الإنسان الذي يقبل المعمودية حينما يرفع يديه ووجهه للغرب ويقول «أجحدك أيها الشيطان وكل عبادتك المرذولة وكل طرقك، وكل حيلك، وكل سلطائك، وكل جيشك، وكل بقية نفاقك» ثم يتجه للشرق وينادی الرب يسوع «أعترف لك أيها المسيح إلهي وكل نوامیسك المخلصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة» .. ذلك المعمد تمتد هبات الخلاص في المعمودية ليبصر وهو تائب قوة الله التي تسنده، ومكايد إبليس التي تنتظره .. وفي ثقة الغالب بالمسيح يرفع يديه إلى فوق ويقول: «أحبك

يارب ياقوتی » (مز ۱:۱۸) «إسندني فأخلص» (مز ۱۱۹: ۱۱۷) .

 والمكايد والحيل الكثيرة التي ينصبها الشيطان للتائب كفخاخ لإسقاطه تحت الخطية هي عدته في الصراع الروحي الدائر بينه وبين الرب يسوع في حياة التائب. وقد يستخدم في ذلك الرؤساء بما يحملون من سلطات، ويجرون مرؤوسيهم في خطايا كثيرة إما فردياً أو بالاشتراك معهم. لقد عمل الشيطان في «حنانيا وقيافا »وهما من رؤساء الكهنة وإستعمل سلطانهم الناموسی ليهيج الشعب الذي كان قد خرج كله وراء المخلص. وهو الذي عمل في نیرون طاغي روما لكي يضيء شوارعها بأجساد القديسين. وهو الذي عمل

في تراجان الإمبراطور وهو يصدر حكمه بطرح أغناطيوس حامل الإله للوحوش. وليس الرؤساء الذين يعطون إرادتهم للشيطان هم وحدهم الذين يستعملهم الشيطان ضد التائب، بل وأيضاً كل من له سلطان.. في التربية في داخل البيت، في التعليم، في العمل، في الكنيسة.. كل من له سلطان يسعی نحوه إبليس ليستخدمه ضد التائبين.

 أليس هو الذي يعمل في الأم بسلطانها الأموي لکی تجبر إبنتها التائبة على اللبس غير المحتشم أو التزين بمساحيق أو أصباغ كثيرة ؟! أليس هو الذي يستخدم سلطان الأب ليجبر إبنه التائب على فض صومه والحفاظ على صحته ؟!!

 إن الصراع الروحي الذي يقوم بين الله في التائب والشيطان الذي يعمل في أصحاب السلطات صراع مقدس يسند الله فيه التائب الصادق المحب له وللإنجيل. والله صاحب كل سلطان، حينما يسند التائب بسلطانه الإلهي يستخدم هذا السلطان لخير الناس وخلاصهم وليس لإرعابهم أو إخافتهم.. لذلك توصی أصحاب السلطات ألا يستعملوا سلطانهم إلا في النفع الروحي لمرؤوسيهم وسند كل ما يؤول إلى خلاصهم.

 وفي بعض الحالات التي يرى فيها الشيطان تائب نامی بقوة، لم يقع تحت مكيدة من مكائده، يستخدم «جنود الشر الروحيين» في ممارسة الحرب ضده .. وقد يظهرون للتائب في صورة حسية مرئية تثير الرعب في قلبه، وتجبره على تغيير مساره.

 فحينما رأي أيوب البار «رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر» أنه لم يكن مثله في الأرض في ذلك الزمان، لم يستحي الشيطان أن يظهر بذاته أمام الله يطلب السماح لتجربته وإتعابه(أي١: ٨، ٩)) وحينما رأى جهادات أنطونيوس وتصميمه على الوحدة والإنفراد للصلاة إتخذ أشكال حيات سامة ووحوش ضارية تدخل عليه مغارته لتثير من حوله الرعب. أما أنطونيوس فكانت قوة الله تظهر معه في مجرد رسمه للصليب فتتحول هذه الأشكال كلها إلى دخان!

ياعزيزي التائب، صراعك مع الشيطان طويل.. طويل، ومستمر إلى اليوم الذي تستريح فيه في أحضان المسيح.

 على رأى أبا مقار عندما قال له عند الموت «خلصت يامقارة الآن» فكان رده «لم أخلص بعد» ولم يقل هذه العبارة إلا حينما وجد ذاته في أحضان الرب يسوع فقال «الآن فقط خلصت» .

 هذا الصراع الطويل المرير مع الشيطان، لا ترهب فيه شيئاً ولا تتزعزع، پسندك ما دمت تطلب سنده، ويحفظك ما دمت تحفظ ذاتك له، ويمنحك قوة بعد قوة ما دمت تعرف أنها« من قوة يمنحها الله» (١ بط ٤ :١٠).

 نعم يارب « طوبى لأناس عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً . أيضاً ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون» (مز٨٤: ٥-٧) .

 والقوة التي يمنحك الله إياها في صراعك مع الشيطان قوة غير منظورة لكنها محسوسة فيما ترکه لك من أسلحة النصرة تحملها على عنقك، وتلبسها كل أيام حياتك ..

 ما هي هذه الأسلحة ؟ هذا السؤال يقودنا إلى نقطة أخرى..

سلاح الله الكامل

 الله في محبته للتائب لا يمكن أن يتركه وحيداً في مجال الصراع مع الشيطان. لكنه بقوة وإقتدار يعمل من خلال أسلحة الكمال المسيحي ليسند التائب ويدعم جهاده .

 والله « كامل» وفي كماله يمنح السلام الكامل القادر على النصرة ومتابعة الجهاد في كل موقع من مواقع الحرب المريرة التي يشنها الشيطان على التائبين .

 وسلاح الله الكامل يعطی کهبة للتائب للمقاومة ضد إبليس، والمقاومة ضرورة لمن يتعرض للهجوم. ولكن كيف يقاوم التائب دون سلاح يحمله ؟!! والذي نلاحظه أن الله حتى في صراعه مع الشيطان لا يهاجمه، ولا يعطى أولاده التائبين أسلحة هجوم.. فهو لم يسعى إلى لقائه فوق جناح الهيكل، لكن الشيطان كشرير هو الذي بدأ الهجوم والتجربة، وحينما بدأ قاوم وانتصر..

 ياعزيزي إن أسلحة الكمال المسيحي لا تستعمل في الهجوم على الشيطان، ولا ينبغي إستخدامها لذلك. فالتائب الذي يشعر بضعفه كيف يهاجم الشيطان ؟! لذلك كان أبا أنطونيوس حينما تحاربه الشياطين يقول لهم « أني أصغر عن أن أقاتل أصغر أصاغرکم! » وكان بهذا وحده يغلب.

 لهذا يقول الإنجيل «قاوموا إبليس فيهرب منكم» (یع ٤ :٧). وحمل السلاح الكامل يعطى القدرة على المقاومة في اليوم الشرير الذي يسلط الشيطان فيه شره على التائب.

 وإن كان سلاح الله الكامل يوهب للمقاومة، فهو نعمة لثبات التائب غير متزعزع بل مكثر في فعل التوبة. والثبات في المسيح هبة يقبلها التائب الذي يحمل السلاح ويتمم كل مقتضیات حمله على أكمل وجه.. فالجندي الذي يحمل السلاح ولا يستخدم طلقاته كيف يثبت أمام عدو مقاتل يقذفه بوابل من النيران ؟!

 وثباتك ياعزيزي التائب هو في إستخدامك السلاح الكامل لله استخداما صحيحاً كل أيام حياتك .

 كيف يكون هذا الإستخدام صحيحاً؟ هذا ما نود أن تكشفه نعمة الله لك ولضعفی الآن.

( ١ ) سر القربان المقدس :

 في اليوم الأخير من حياة الرب يسوع بالجسد على الأرض، جمع تلاميذه حوله في العلية وسلم الكنيسة سراً من أسرار الثبات فيه ..إذ « أخذ يسوع خبزاً وبارك وأعطاهم وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين » (مر ١٤: ٢٢، ٢٣)

وهو الذي سبق فقال لهم على مرأى من اليهود: « الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة فيکم. من يأكل جسدى ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. . جسدي مأكل حقیقی ودمی مشرب حقیقی، من يأكل جسدى ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه» (يو ٦ :٥٣_ ٥٦).

 هذا السلاح المقدس للثبات يلبسه التائب بلهفة وشوق مثل شوق الجندي إلى طعامه وهو في حلبة الميدان .

 والتائب يسرع إلى المذبح يلتف حوله ويسجد في خشوع ينادي المسيح في سر القربان وهو يذكر أثر المسامير في يديه والحربة في جنبه « ياجراح المسيح إجرحيني بحربة الحب الإلهي. يا موت المسيح أسكرني بحب من مات من أجلی».

 وحينما يرتشف من كأس الحياة قطرة ينادی «یا دم المسيح طهرنی من كل خطية .. يايسوع حبيبي إذا رأيتني عضواً يابساً رطبني بزيت نعمتك وثبتني فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية »

.إن التائب في مذاقه الروحي لسر القربان المقدس يستطعم مذاقة النصرة التي صنعها الرب يسوع فوق الجلجثة. فيتقدم إليه في كل وقت مناسب يلق في مذاقة النعمة وحلاوة حب المخلص أن تثبته وهو واقف في صراعه مع الشيطان .

 والتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين دواء يتعاطاه التائب لكي في ذبيحة الرب يكمل نقائص جهاده وضعفاته، كما ينال القوة الخفية التي تشعل في قلبه شوق الأبدية ولذة الجهاد ضد الخطية. والدواء إستحقاق للمريض الذي يشعر بمرضه ويطلب الشفاء.

 لذا جعلت الكنيسة هذا السر متمماً لسر الإعتراف، إذ بعد أن يقدم التائب إعترافه لله وللكنيسة تلزمه بضرورة التناول للثبات في المسيح. بل وتحذره أيضاً في قانون کنسی صریح «الذي يمتنع عن التناول أربعين يوماً يحرم نفسه بنفسه من الكنيسة » !

ومن خلال صلوات الليتورجيا التي يتقدس أثناءها القربان يشاور التائب الله في كل محارباته، ويطرح ضعفه أمام لاهوته الكامل على المذبح.. مستعيناً بشفاعات الكنيسة المنتصرة من أرواح القديسين الذين نلاقيهم خلال الليتورجيا روحياً ، وطلبات الكنيسة المجاهدة وعلى رأسها الشفيع الخادم لسر القربان .

 یاعزیزی التائب لا تهمل دعوة تثبيت جهادك بسر القربان. بل في لهفة قل له: «حتی یارب لو كنت مكسوراً في جهادي فإني بين يديك .. تستطيع أن تحول من إنكساري إشباعاً لنفسي ولجموع من التائبين مثلی، تماماً كما إنكسرت بين يديك الخمسة خبزات فحولت إنكسارها إلى إشباع لخمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد..

 يا إلهي حتى ولو أني مكسور في جهادی، منهزم في صراعى مع الشيطان.. لكني أختار الإنطراح بين يديك وأنت قائم بملء لاهوتك فوق المذبح، لكي تحول إنكسارى إلى إشباع وتعزية لنفسي وإختباراً وبنياناً لكنيسة المجاهدين التائبين » ..

 ومن خلال عشرة المذبح، وثبات سر القربان يستطيع التائب أن يقول في أوج الصراع مع الشيطان « ثابت قلبي يالله» (مز ٥٧: ٧، ١٠٨: ١). ويستطيع الذين من حوله أن يقولوا أن «قلبه ثابت متکلاً على الرب» (مز١١٢: ٧) الذي يحل في أحشائه فيمتزج کل کیانه بنصرته .

(۲) سر الصلاة :

 لم نرى أبلغ تعليم أعطاه الرب يسوع لنا، وهو يجتاز صراعنا مع الشيطان « مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب ٤ : ١٥)، وهو يرى كأس إثم العالم كله ماثل قدامه ليتجرعه إلا أنه إنفصل عن تلاميذه « نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلی » ( لو ۲۲ :٤١ ) .

 فلم يكن وهو إله يحتاج لصلاة، لكنه رسم أمامنا فى جهاده مع الشيطان أن نصلي، وقال عن الشيطان « هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم»  (مت ۱۷ :۲۱، مر ۲۹:۹).

 ولا يوجد شيء يقاومه الشيطان في حياة التائب مثل مقاومته للصلاة والتحلل من ارتباطاتها بشتى الأعذار والحجج المنطقية .

 لكن التائب يقف يصلي لأنه يعلم أن الصلاة هي الوقوف قبال الله وشكوي النفس والخطية أمامه.. وهي سند سماوی ضد جنود الشر

الروحيين.. لقد ظهر ليسوع وهو يصلي (ملاك من السماء يقويه) (لو٢٢: ٤٢)، ولم يكن وهو الله القوى في حاجة إلى قوة ملاك.. لأن الملاك يستمد قوته من الله .. بل ليظهر للتائبين أن الصلاة يعقبها مؤزارة من السماء وقوة تسند في الجهاد.

 لهذا يسرع التائب نحو الصلاة، وبيت الله بيت الصلاة .. کالأيل العطشي الذى إذ يرى الماء يجري.. ويحترم كل ميعاد للصلاة يرتبه لنفسه، أو ترتبه الكنيسة للمؤمنين، إحترام أجل وأقدس من إحترامه لمواعيده مع العظام من الناس.

 والتائب لا يبحث عما يصليه لأنه يصلي «بكل صلاة وطلبة» محفوظة أو مقروءة أو ملحنة أو مرتجلة.. إن كل صلاة عنده يستطيع أن ينفذ منها ليحدث الله عن ضعفاته.

 فهو لا يعرف نوعاً من الصلاة.. بل يتعلم في مخدعه صلوات المزامير وصلوات التسبحة اليومية، وصلوات ارتجالية.. إنه يعرفها جميعاً ويستخدمها كلها لأن في كل منها فرصة لقاء مع قائد جيش الخلاص في الصراع مع الشيطان .

 والتائب في استعماله كل صلاة وطلبة لا يشعر بملل أو تعب لأنها تحوى عنصر التجديد الذي يشبع حاجة الإنسان دائما للجديد.. وهو لذلك يصلي« كل وقت في الروح ».. قلبه وذهنه منشغلان بالصلاة كتعبير عن حبه لله الذي يقاتل عنه..

 ولا يجد في المناسبات الكنسية فرصة التهريج أو كما يقال الفرفشة لأنه في كل مناسبة يصلي بالروح، ويقتل ذكريات المناسبات في فهم روحی، ورفع قلبي لذاته أمام الله ..

 والتائب وهو يرى في الليل خير صديق، يحوله إلى نهار بالسهر واليقظة… فيجد فيه مشابهة للرب يسوع الذي كان يقضي « الليل كله في الصلاة » (لو ٦ : ١٢). فيرتب لنفسه ليال للصلاة إما فردياً أو بمصاحبة تائبون آخرون، يجدون في هدوء الليل وسكونه وضوح صوت الله المعلن للمجاهدين .

 « أصلي بالروح وبالذهن أيضاً أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضاً »  (١کو ١٥:١٤).

 لقد كان يسوع يقول لتلاميذه دائماً « لماذا أنتم نيام، قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة» (لو ٢٢: ٤٦) .

 والكنيسة إذ تسمع هذا النداء دوماً، ترتب لأولادها تداريب سهر جماعية تعودهم فيها على سهر الليل للصلاة.. مثل أوقات شهر كيهك وليلة أبو غلمسيس.. وكأنها تنادي بالإنجيل في صمت التدريب « واظبوا على الصلاة ساهرين فيها» (کو ٤ :۲) .

 والتائب، الذي عرف قوة هذا السلاح، يواظب على الصلاة مواظبة دورية، مهما كانت حالته … في المرض والصحة، في الضعف والقوة، في الفرح والحزن، في التعزية والفتور، في التركيز والتشتيت.. في كل حال يصلی، لا لطلب تعزيات الصلاة فقط بل لحبه للوقوف بين يدي من أحبه، وكالطفل الذي يقف بين يدي أبوه يتراءى قدام الله سنده ومعينه في التوبة سواء حصل على تعزية أم لم يحصل. إن التعزية ليست هدفه إنما هدفه هو قول إيليا النبي: «حي هو رب الجنود الذي أنا واقف قدامه».

 والتائب الذي يسلم ذاته للنعمة في استخدامه سلاح الصلاة يعطيه الرب فيضاً من التعزيات والمواهب، لا تعتمد على إستحقاقه الخاص بقدر ما تعبر عن محبة المسيح للخطاة التائبين ..

 ومن أمثلة ذلك هبة الدموع التي صارت كينبوع من عيني المرأة الخاطئة وهي تمارس التوبة عند قدمی يسوع حتى إستدعى الأمر منها أن تنشف قدمی يسوع بشعر رأسها .

 وهي الهبة التي صنعت أخاديد واضحة على وجه أبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، وهي التي طلبها أرميا النبي بوفرة «ياليت رأسي ماء وعینی ينبوع دموع»..

 وحينما لا يعطي التائب هبة الدموع يقول الله: إن حرمتنی من دموع عيني فأهلنی یارب أن أشتری دموع المساكين .

 إذ يبحث التائب عن المكروبين والمذلين والمرضى والمسجونين يشحذ منهم دمعة تجد نصيبها في صلاة التائب.. فيقف ولجميع القديسين والمتعبين مكاناً في صلاته، يذكرهم كمن يذكر شرکاء له في التوبة والجهاد والمجد معاً … ويرى أن ذلك أبلغ تعبير لحب المسيح تجاههم.. ويكفي أن حب التائب للمتعبين والطلبة من أجلهم تثبته في جهاده وتحفظه في توبته « من يحب أخاه يثبت في النور» (١ يو ٢: ١٠).

 والتائب حينما يصلي يستعمل السجود الروحي علامة شكر لله الذي يعينه ويسنده ، وعلامة تذلل عما إقترفه من إثم واجب الندم والمسكنة.. وكلما ازداد تذوقه لحلاوة التوبة كلما إزداد نموه في ممارسة السجود نوعاً وكماً بدون إفتعال أو تكلف.

(٣) سيف الروح :

الذي هو «كلمة الله » (أف ٦: ١٧)، وهو ذات السلاح الذي إستخدمه سيدنا يسوع في صراعه مع الشيطان فوق الجبل. فلم تكن إجابات الرب يسوع عليه سوى فقرات من الناموس الذي أعطاه لموسى (تث ۳:۸، مت ٤: ٤)، (تث ٦، ١٦، مت ٤ :۷ ، تث ٦ : ١٣ ، مت ٤: ١٠).

 وقد وضع الرب يسوع حفظ كلامه علامة لحبه، ووسيلة للثبات في معرفته « إن حفظتم وصایای تثبتون في محبتی» (يو ١٥ : ١٠).

 إن التائب يلازم الكتاب المقدس، والكتاب المقدس يلازمه في كل مكان وكل زمان . لأنه يعرف أن كله « موحى به من الله» (۲ تی ٣ : ١٦) (۲بط ١: ٢١) ، وإنه حينما يلازم الكتاب يسير مع الله … والذي يسير مع الله يختبر ما إختبره أخنوخ البار الذي قيل عنه « ولم يوجد لأن الله نقله»  (تك ٥ : ٢٤).

 ويفهم كلامه كما يفهمه تلميذی عمواس حينما كان يمشي معهم يسوع مفسراً إذ «إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب» (لو ٢٤: ٢٧) .

 والتائب يلازم الكتاب المقدس يومياً كغذاء تقوى به نفسه يدرس فيه ويأمل الله المحب في كل كلمة من كلماته حتی أسماء المدن وأسماء الأشخاص وأسماء الجبال يجد فيها لقاء صادق مع الرب يسوع.. وهو لذلك يحرص على ميعاد ثابت يومي، يكون فيه يقظ الذهن و صحیح البدن، ليسمع فيه تعزيات الله الكثيرة ..

 والتائب مع شدة القتال وضرورة الصراع مع الشيطان ربما يجرح، فيجد في كتاب الله المقدس ما يعصب جرحه ويضمد کسره. «عند كثرة همومي في داخلی تعزياتك تلذذ نفسی» (مز ٩٤ :١٩) فيقول حتى في سقوطه «وجدت كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (أر ١٥: ١٦).

 والتائب يجد في الكتاب المقدس المبادئ المستقيمة للحياة، والسبل الشريفة في الجهاد.. يأخذ منه روحاً تميز الغث من الثمين، ونوراً يستضيء به فکره وضميره « سراج لرجلي كلامك ونور لسبیلی » (مز ۱۱۹ :١٠٥).

« لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سیف ذی حدین وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونیاته» (عب ٤: ١٢).

 لذلك يستعمل هذا السيف ليقطع عنه كل المبادىء الغريبة والتعاليم الردية التي يبذرها الشيطان لضلال التائب. ويحس أن إستعماله في ظروف الحياة كلها سر للنجاح وطاقة للنصرة .

 لهذا تجد التائب يجهد نفسه في فهم آيات الكتاب المقدس، ويباشر بنفسه بحوثاً ودراسات تهدف إلى تمكين روحه من إنطلاقها نحو الأبدية. وقد يقضي الليل والنهار في ذلك، فيقضيهما بمسرة وشغف. إنه يصنع مثل من طوبه داود النبي فقال «طوبی للرجل الذي في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً .. كل ما يصنعه ينجح» (مز ۱ : ١ ،۳).

 وحتى إن سقط وعثر يرجع للكتاب فيجد فيه إصلاحاً لطريقه وعودة للنصرة «لا يبرح سفر الشريعة من فمك.. حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح » (يش ١ : ٨) .

 التائب يحفظ كثرة من كلام الكتاب المقدس حفظاً غيبياً،  وفي كل أحاديثه يجتر ما قد حفظه من كلام الله .. ليس الحفظ لكلمات الكتاب فقط، بل ولروح الكتاب أيضا. فالتائب يأخذ من الكتاب يومياً آية أو أكثر تتلامس مع حاجته للتوبة ويمارسها ممارسة عملية طوال اليوم. يضعها نصب عينه طول النهار لكي تنطبق فيه كلمة الرب « الكلام الذي أنا أكلمكم به هو روح وحياة» (يو ٦٣:٦).

 ولذا لا نعجب من أبا صرابمون حينما لاقاه شحاذ وطلب صدقة فلم يجد غير إنجيله بيده فأعطاه له يبيعه ويأخذ ثمنه صدقة، ولما مر به طالب آخر لم يجد غير ثوبه فخلعه وسار عرياناً. وإذ لاقاه تلميذه إندهش وقال له ما الذي عراك ياأبي ؟ أجاب أباصرابمون: الإنجيل ياولدي.. فقال تلميذه وأين هو؟ أجابه صرابمون: كان يقول لي إذهب بع كل ما لك وتعال إتبعني ؟!!

 لذا سيقضي التائب عمره يجتر کلام الله ولا يشبع لأن في كل يوم سيجد میداناً جديداً لكلمة الله في حياته، حتى اليوم الذي تصبح كلمة الله ناطقة في كيانه وكلامه بل وفي صمته أيضاً. فيصبح التائب ذاته سيفاً يرهبه الشيطان، تنكسر به كل قتالاته الردية .

 وكما أن التائب في سماعه أو قراءاته أو دراسته لكلمة الله يكون جزعاً وورعاً ومرتعداً «من كلامك جزع قلبی»  (مز ۱۱۹ :١٦١) نجده هو يتحول كحامل کلمة الله رعب للشيطان وذعر لمجمعه الرديء، لهذا يكتب ماريوحنا رسالته ويقول: «كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير» (١ يو ٢:١٤).

 إن أنبا أنطونيوس الذي سمع عبارة واحدة من الكتاب المقدس أثناء القداس الإلهي « إذهب بع كل مالك وتعال إتبعني» إذ حولها إلى حفظ حقیقی بمعيشته الرهبانية وإنفراده الصادق المتوحد صارت الشياطين تفزع منه وترهبه، حتى أن مجرد ذكر إسمه كان يخرج الشياطين من المرضى بالأرواح النجسة !..

(٤) منطقة الحق

 إن سيف الروح الذي يحمله التائب في قتاله مع الشيطان لا يمكن حمله بسهولة ويسر إن لم يتمنطق التائب بمنطقة الحق.. لذلك قال ربنا يسوع لتلاميذه «لتكن أحقاؤكم ممنطقة…» (لو ۱۲ :٣٥) .

 والمنطقة التي يحملها التائب تشد حقويه بالحق، «حق الإنجيل» (غل ٥:٢، ١٤) الذي رآه مار يوحنا الحبيب في شخص الرب يسوع فقال عنه أنه «متمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب» (رؤ۱۳:۱).

فالتائب الذي تقابل مع الرب يسوع مقراً بأفعاله أمام الكنيسة يخرج من حجال الله ليقول: «حللت مسحي ومنطقتنى سروراً» (مز ۱۱:۳۰). لأن التوبة في حياته جعلت يسوع الممنطق بمنطقة ذهب علامة الملك، يملك على قلبه وأفكاره وسلوكه فيعلن حق الإنجيل كما هو .. إن التوبة في حياة التائب تعطيه إستنارة قلبية وفكرية لا حد لها وتعلن أن ابن الله قد جاء « وأعطانا بصيرة لنعرف الحق» (١ يو ٥ :٢٠) ، تجعله يعلن الحق في حياته أولا فيعيش كما يحق لإنجيل المسيح (في ١ : ٢٧).

 فيكون التائب بحياته شاهداً للحق، لا يخشى أن يقول الحق مهما كان ثمن كلمة الحق .. فالمسيح الحق الذي فيه لا يمكن أن يكون مخبئاً تحت ستار مبررات واهية تستر الباطل في خداعه وضلاله.

 لكنه حينما يقول الحق، يقوله كطبيب.. لا ليجرح ويشهر لكنه ليداوي ويصلح ويكسب أصدقاء جدد للحق. فالحق في التائب يعلن بالهدوء واللطف ..

وحينما يقول التائب الحق، أو يكتبه، أو يجريه بالقضاء بين الناس يستعد لإحتمال المتاعب والآلام التي يفرضها سلطان الباطل وكل أتباعه على التائبين المتمسكين بالحق..  إن لبس المنطقة في حياة التائب لا يكفي أن تكون موضوعة على عقوية بل أن تكون «مشدودة» ، فهو لا يلين في مبادئ الحق مهما كلفه الأمر من مشقة. يظل متمسكاً بها حتى ولو دفع حياته ثمناً لأجلها. « ومن أضاع حياته من أجلي يجدها» .

 إنه يحفظ الحق، ويعلنه في قوة لا تعرف الاستضعاف، إنها القوة التي تجعل المقاتل يقظا على الدوام مستعداً للقتال. إن التائب في صراعه مع الشيطان يصرخ صرخة الفدائيين في ميدان القتال الروحي يشهد بالحق « الإله الذي يمنطقني بالقوة ويصير طریقی کاملاً.. تمنطقني بقوة للقتال، تصرع تحتي القائمين علىّ» (مز ١٨: ٣٢، ٣٩) .

 وإن كانت المنطقة الذهب التي تعبر عن تملك الرب يسوع لحياة التائب.. فإن المنطقة يمكن أن تكون من الجلد، مثلما كان يلبسها يوحنا المعمدان (مت ٣ :٤ ، مر ١: ٦) ، وهنا تعبر عن تمسك التائب بحق النسك في حياته ..

 إن التائب يقبل على الأصوام العامة في الكنيسة، والخاصة المرتبة قانونياً لجهاده، ويتمسك بها في قوة لأنها تحمل له فرص صفاء النفس والذهن الكافية لإحقاق الحق في حياته ووسط العالم. « لذلك منطقوا أحقاء أذهانكم صاحين» (١بط:۱۳).

 إنه في قوة المقاتل يأبي القنية، ويتحلل حتى من النحاس الواجب توفره في المنطقة.. لئلا يعطله في السعي ويشغله عن خلاص نفسه.. لعل لهذا قال ربنا للتلاميذ «لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم» (مت ۹:۱۰)،( مر ٦ : ٨). وإن كانت له قنية ما يستعملها لمجرد الاستعمال وليس لحب الاقتناء والإكتناز.. «فأقول هذا أيها الأخوة: الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم.

والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول. فأريد أن تكونوا بلا هم» (١ كو ۲۹:۷-۳۱) .

 هناك نوع آخر من النسك يحتاجه التائب، هو نسك العفة التي بدأ في

منطقة الكتان النقي – رمز العفة – والتي رتب الله بنفسه أن يلبسها هرون الكاهن حينما يكهن ويقف أمامه (لا ٦: ١٤).

 فالتائب الذي سلم زمام حياته للمسيح ليملك، ينعتق من أسر إبليس ويتحرر حرية كاملة تبدأ من داخله بحرية العفة التي يمثلها الكتان.. « تعرفون الحق، والحق يحرركم» (يو ۳۲:۸) .

 إنه في المسيح يتمتع بحرية أولاد الله، الحرية الكاملة التي يقول معها « كل الأشياء تحل لی»، لكنه في تمنطقه بالكتان يمارس حرية العفة التي تعفف عما بدنس النفس والجسد فيتبع مفهوم الحرية الكاملة في نطاق البنوية الكاملة لله « كل الأشياء تحل لي، لكن ليست كل الأشياء توافق» (١ کو ٦: ١٢).

 ولهذا فإن الحق الذي يمنح الحرية للتائب يمنحه أيضاً قوة لئلا تصبح الحرية سترة لممارسة الشر.. «فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنیر عبودية .. فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة ، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد» (غلا ٥ :۱ ، ١٣).

 فالتائب يتمتع بحرية كاملة «كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل کعبید الله » (١بط ٢: ١٦). ولذلك فهو يمقت كل وسيلة للنجاسة، ويتنازل عن كل صداقة تجره للدنس، ويعتبر ذلك ليس نوعاً من الكبت يعيشه بل هو حالة إنعتاق من الخطية وحرية كاملة للعفة التي أحبها الله ووشح التائب بها.

 بذلك وحده يثبت التائب في جهاده، ويتأكد أنه سيقف دائما قبالة الله مسانداً بقوة نابعة من حب الله للعفة والأطهار.. «الطهارة التي بدونها لن يعاين أحد الرب» .

 « هذه هي إرادة الله قداستكم: أن تمتنعوا عن الزنا، لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة» (تس ٤: ٣، ٧) .

 «وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا. إن كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق» ( أف ٤: ٢٠_ ٢٣).

العفة في حياة التائب شعلة من الحب نحو الله، يستنير بها جهاد التائب، ويتقدس بها كأنها ذبيحة يمارس بها ذبح كل ميل بطال وكل صداقة معثرة، وكل قراءات دنسة.. ولا شك أن كل ذبح يمارس يرافقه الألم والوجع والتنهد، وألم العتق من النجاسة أي حرية العفة هو البخور المتصاعد من ذبيحة الحب التي يقربها التائب لله على مذبح قلبه وجسده .

والخلاصة ياعزیزی:

 إن التائب الذي إلتقى بيسوع المتمنطق بالذهب، وجعله ملكاً على حياته، يملك زمام نفسه فيتمنطق بمنطقة النسك المقدس ليمارسه بحب الله وانعتاق من العبودية وحرية تعفف كل ما يدنس النفس والجسد.

 (٥) حذاء الإستعداد

 الإبن الضال عندما عاد إلى بيت أبيه، ورجع إلى التوبة جعل الأب «خاتماً في يده، وحذاء في رجليه» (لو١٥ : ٢٢) .

 هذا الحذاء كان يعني بالنسبة للإبن التائب حالة من التأهب الدائب والإستعداد المستمر لتلبية كل مهام يكلفه بها الأب.

 هذا ما جعل الرب يقول لبني إسرائيل وهم يستعدون لعبور البحر الأحمر في طقس خروف الفصح أن «تأكلونه وأحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم»  (حز ۱۱:۱۲) لكي عقب عشاء الفصح وضربة الملاك المهلك يحذون أرجلهم لعبور عظيم.

 ولعل لهذا السبب نفسه يقول مار بولس « حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام» (أف ٦: ١٥).

 فالتائب تجده دائماً يذكر الخمس العذارى الحكيمات، إذ يشتاق أن يدخل في عرس الختن الحقيقي يستعد – مثلما إستعدت أولئك الحكيمات – إستعداداً يؤهله أن يدخل مع العريس في عرس حقیقی .

 ولذا فالإستعداد عند التائب يحميه من عنصر المفاجأة التي تقود إلى هزيمة مرة لغير المستعدين. فهو يعلم أن أكثر الحروب الروحية يشنها عدو الخير على التائب معتمداً على هذا العنصر إذ يباغته بما لم يستعد له باطنياً فيسقطه بسهولة ويسر.

 والتائب ينظر لفعل الشيطان ويضحك كما تضحك المرأة الفاضلة على الزمن الآتي (ام ٣١: ٢٥) لأنها سبق فأعدت حلل الشتاء قبل الثلج، وطعام الصباح أثناء الليل.

 إنه يتعلم من النملة التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط لكنها « تعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها» (أم ٦: ٦_٨) .

 التائب، قبل كل عمل روحي أو إداري أو إجتماعي يعد نفسه إعداداً أميناً يحميه من مفاجآت الحروب والتكتلات والشقاقات التي يبذرها عدو الخير وسط النائمين غير المستعدين. وحينئذ يكون مستعداً أن يسمع صرخة كل مقاتل مثله، وأنين كل متعب نظيره، فإستعداده يؤهله أن يسمع لصراخ المساكين، ويكفف دموع العاثرین .

 إن التائب مستعد لكل نداء إلهي ينطق في باطنه في يقظة مستعدة لأن تسمع وقع الأقدام من بعيد وحفيف الأشجار أثناء الليل.. إنه يقول دائما « تكلم يارب فإن عبدك سامع». تجده أيضًا مستعداً لمجاوبة كل من يسأله عن سبب الرجاء الذي فيه (١بط٣: ١٥)، مجاوبة اليقين والإختبار لا مجادلات العلم والفلسفة وقباحات المباحثات الردية.. يبحث ويدرس ويقرأ ويختبر، فإن أجاب يجيب عن عام وإختبار معاً.

 الإستعداد لأنه يرى فيه تزكية له حينما يقف موقف الإتهام أو يطلب للدينونة .

 وهو لذلك يرى الموت أمامه كل يوم، لا يرهبه.. بل ليذكره أنه في الحد الفاصل بين الغربة المتاح له أن يعمل فيها ويثمر قبل أن ينتقل إلى مكان الإستيطان. حيث هناك يرقد وأعماله تتبعه (رؤ ١٤: ١٣).

 إنه يرى الموت أمام عينه على الدوام فحتى حينما ينام في الرب لا ينام نوم الموت، بل نوم الأحياء الذين يسمعون صوت الرب يسوع:  «ها أنا آتی سريعاً وأجرتی معی وسأجازی كل واحد كما يكون عمله » (رؤ٢٢: ١٢).

 لذا قال الرب لتلاميذه: «کونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي إبن الإنسان » (مت ٢٤: ٥٥، لو ١٢: ٤٠).

 إنه لا يقول قول بطرس بإنفعال العاطفة « يارب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت» (لو ٢٢: ٣٣)، لكنه يحسب نفقة المضي معه، وحمل الصليب وراءه.. فيأتي في فهم المسئوليته وتحديد واضح لإرتباطاته يقف خلف السيد ويقول «لست أهلاً لأن أدعي رسولا» (١ کو ١٥ :۹) وقوتك يارب في ضعفي تكمل.

 لذلك لا نستغرب أن بعض التائبين يضعون في مخادعهم جماجم أموات، أو صور لجماجم أموات، يزورون قبور الأموات ويجلسون عندها لا للنحيب العاطفي بل للإستعداد الباطني بالتوبة للحظة الموت .

 والتائب الذي يقضي كل زمانه في حالة إستعداد، هو التائب الذى يستثمر المواهب الفياضة التي لوزنة العقل، والتي بها يدبر الإنسان خلاصه .

 فالإستعداد بالنسبة للتائب يوفر عليه مشقة الإرتجال في الأمور وما يتبع ذلك من مشقة تصحيح أخطاء الإرتجال بكل ثقلها وأتعابها.

 إن الإستعداد يجعل التائب يحدد طاقته بتعقل، ويحسب نفقة كل شيء، ويتصرف في كل الأمور على قدر طاقته.. إن التائب تجده «یرتیء إلى التعقل» (رو ۳:۱۲) في تدبير خلاصه وخلاص الذين من حوله «لکی يهيیء للرب شعباً مستعداً».

 یا عزیزی التائب.. إنك أحد الجنود في جيش التائبين، لعلك واحد من أولئك الثلاثين ألفاً الجبابرة في البأس الذين أوصاهم يشوع حينما أرسلهم ليلاً لضرب عاى قائلاً «انظروا… وكونوا كلكم مستعدين» (یش ٨: ٤) .

 إنه نداء للتائبين مهما كانت مواقعهم في الكنيسة. أن يكونوا كلهم مستعدين ..

 يا إلهي أعطني أن أكون مستعداً ليوم الزفاف الإلهی، حتى إن نمت بالجسد تكون لي يقظة القلب المبصر..

(٦) ترس الإيمان

 «الترس» أداة من أدوات الحرب، إستخدمت كأقدم أداة عرفها الإنسان في حروبه (راجع تك ١٥: ١ ، مز ٥: ١٢).

 وأحياناً كان يصنع الترس بجملته من الذهب أو النحاس أو كان يغشی بطبقات سميكة منها (۱مل ١٤: ٢٦، ٢٧)، وكأنه يحفر عليها صور ونقوش مختلفة.

 أما من جهة حمله فكان يحمل على الذراع اليسرى، وكان يعلق أحياناً في العنق. وكان سطحه محدباً لمنع الأسهم من خرقه، بينما كانت حوافيه ملبسة بصفائح من الحديد تمكيناً له ووقاية له من فعل الرطوبة إذا ألقي على الأرض. وفي زمن الحرب كانت نصف الأتراس في خط مستقیم لتكون حاجزاً عاماً.. وكانت خسارة الترس في ساحة الحرب عاراً عظيماً، ولا سيما عند الرومانيين الذين كانوا يعدون خسارته أكبر الجرائم الحربية حتى أن أمهات المقاتلين كن يشجعن أولادهن تأهبهم للحرب بإشارتهن إلى الترس وقولهن: « إما به، أو عليه» .

 هذا الترس الحربي إستعاره مار بولس الرسول ليضع الإيمان عدة لازمة في جهاد التائبين فقال: «حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة» (أف ٦: ١٦).

 إن الإيمان يحمل النصرة للتائب، فيراها حقيقة قائمة حتى وهو في أشد أوقات القتال ضراوة. فهو الذي يعطي التائب بصيرة روحية فيرى في زمان القحط سحابة الإيمان مقبلة حاملة أمطار من التعزيات تجعل غرس الرب في حياته .

 وحينما يقولون للتائب ليس لك خلاص كفاك تعب، يقف قبالة الله ويقول: «أما أنت يارب فترس لی، مجدي ورافع رأسی» (مز ٣: ٣).

ويخرج من أمام الله يعيش في تصديق مطلق و کامل لوصايا الله التي تتحول في حياته كتائب إلى واقع معجزى يفوق ما طلبه أو إفتكر فيه.

والتصديق يعقبه طاعة، مثلما أعقب تصديق إبراهيم لله أنه أمسك السكين ليذبح وحيده.. والطاعة يمارسها التائب فتذلل أمامه حتى الطبائع المفترسة والشرسة.. «إن الطاعة والإتضاع تخضعان لنا الوحوش ».

 والتائب في كل ممارساته الروحية لا يستخف بسذاجة منظرها الخارجي، بقدر ما يدرك القوة الخفية المذخرة في كل وسائط النعمة وأشباه الأسرار« کرسم الصليب » أو تناول لقمة الأولوجية.. فيقدم على ممارستها في وقار وطاعة إيمانية كاملة.

التائب يمارس بالإيمان تداريب روحية للتقوى «يدرب فيها ضميره لكی يكون بلا عثرة أمام الله والناس» (أع ٢٤: ١٦).

 ويواظب على هذه التداريب بتدقيق وحرص شديدين.. ومع ذلك فهو لا يتكل على أحدها إنها تخلصه أو تؤهله للملكوت. لكنه يؤمن أنها بالإيمان تنقل معونة الله الرأسية إلى حركة أفقية دائبة النشاط في حياة التائب، فتصير هذه الممارسات الإيمانية أدوات بناءة لحياته وحياة الذين من حوله أيضا.

 فالحرب بدون سلاح لا تصلح، والسلاح وحده بدون حرب، وبدون إنسان مدرب على إستعماله جيداً لا يمكن أن يجلب النصر…

 إن الإيمان كعطية الله ترس لحفظ الإنسان ، التداريب كجهاد يتمركز حول النعمة يجعل النائب المدرب روحياً دائم النصرة في صراعاته مع الشيطان فيخرج بعد كل مواجهة مع الشيطان ووسط جمهور التائبين يترنم « طوباك يا إسرائيل. من مثلك يا شعباً منصوراً بالرب ترس عونك » (تث٣٣: ٢٩).

(۷) خوذة رجاء الخلاص

 الخوذة كانت إحدى القطع اللازمة للمقاتل في الحرب يضعها على رأسه، وكانت تصنع من الجلد أو النحاس كالتي وضعها داود على رأسه في قتال جليات (۱ صم ۱۷ : ۳۸)، وكانت تزين قمتها غالباً بعرف أو ریش .

وإذا تأملت الرأس على المقاتل في الحروب أدركت يقيناً أن الخوذة كانت أول سلاح دفاعي يحرص المقاتل على حمله.

 وأخطر ما يتعرض له التائب أن يصيبه الشيطان بضربة يأس أو تشكك مريض.. تجعله يفقد رجاء خلاصه بالله، فيسقط في هوة عظيمة من اليأس لا نسمع بعدها قيام .

 إن الرجاء الذي يضعه التائب أمام عينيه، هو عين الرجاء الذي نظره الزناة والعشارين وقساة القلوب فخلق منهم قديسين تائبين منتصرين . إنه يجعل التائب في ثقة أن الله قادر حتى على الإقامة من بين الأموات ويستطيع أن يبدأ معه من حيث استطاع الشيطان أو العالم أو شهوات الجسد أن تسقطه.

فإن كان الشيطان لديه قدرة السقوط، حتى يطرح أرضاً من كان في علو الفضيلة وسموها فكم بالأكثر تكون قدرة الله أن ترفع إلى الثقة والبنوة بمقدار أعلى وأسمى ممن كان عليه.

 إن التائب مهما كانت سقطاته متكررة، وحياته يظن أن ليس فيها ثمر يثق بالرجاء أن الله يغير تغييراً كاملاً… ففي لجة سقوطه يتعلق بالرجاء كحبل قوی مدلی من السموات يعين الروح في ضعفها ويرفع التائب في ثبات فوق التجارب..

 ياعزيزي التائب: حياتك في الجهاد ليست نصرة دائمة ولا سقوط دائم، بل في كل سقطة يجد التائب بذرة للنصرة ومع كل نصرة لا يظن نفسه أنه قائم بل يتوقع أن تأتيه السهام المسمومة من الكبرياء فيقول: «لا تشمتی بی ياعدوتي إذا سقطت أقوم» (می ٧: ٨).

والتائب بالرجاء يدرك يقيناً أنه لا يدان على سقطاته بقدر ما يدان على عدم توبته ورجائه بالخلاص.. لقد قال الرب: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لو ١٤: ١_٥). فمهما حاول الشيطان إسقاطه أو سقط هو لضعفه يثابر ليقوم مسانداً برجاء الخلاص..

 الرجاء هو الذي يجعل التائب ينظر إلى حطام نفسه وخطاياه كأنهاقشف فخاری بين يدي الله هشمها الشيطان وإرادته، لكنه واقع بين يدي فخاری عظیم قادر أن يعيد صياغتها من جديد، وببهاء جديد، لتكون آنية جديدة أجمل وأقوى وأعظم.

 إن التائبين يضيئون بلمعان أبهى وأقوى، من أولئك الذين يظنوا أنهم لم يسقطوا.. والعشار والزانية واللص أقوى أمثلة لامعة في سماء التوبة .. والتائب مع أنه مدققاً، لكنه يمقت الدمدمة والرعب والخوف الذي يتملك على بعض المرضى من التائبين .

 إنه يقطع على الشيطان الذي حاربه بلذات الجسد، الحرب الجديدة التي تحاول أن تفسد صورة الله أمامه « والمحبة تطرح الخوف إلى خارج» .

 حينما يقاتل التائب بكثرة خطاياه، يذكر كثرة مراحم الله ويلقى عنه القلق الناشيء عن اليأس ليثبت في سلام الرجاء القادر أن يخلص بالتمام.

 بعد هذا العرض عن ضرورة عمل التائب سلاح الله الكامل

أن نسمع صوتاً يقول: ليس لي أي سلاح منها

 الجندي حينما يستدعي للجيش لا يرتبك في تجهيز السلاح أو في البحث عنه بل عليه أن يسلم ذاته لقيادة الجيش، وهناك يعطى السلاح الكامل ويدرب نفسه على إستعماله..

 هكذا ياعزيزي التائب إن كنت تقول أنا مبتدىء وليس لى سلاح واحد مما ذكرت سابقاً فكيف أثبت في توبتي، أقول لك ماقاله بولس الرسول « من تجند قط بنفقة نفسه» (١ كو ۷:۹) فلابد أن تؤمن يا أخي أنك لست الصانع توبتك وحدك، فالله يشترك معك في تخليصك من خطاياك وفي رجوعك عن ضلالاتك.

الله يتوب، عندما أطلب توبتی :

 سقط أفرايم وراء يربعام، وعبد العجل بدلاً من الله . وحينما فطن إلى ضلاله بدأ يیکی ويندم حتى قال الرب عنه «سمعاً سمعت أفرام ينتحب» (أر ۳۱: ۱۸). وعندما وجد أفرايم ذاته وحيداً في تدينه نادي الرب قائلاً: «توبني يارب فأتوب لأنك أنت الرب إلهي، لأن في نهاية سبيى ندمت وبعد تعلمى حزنت على أيام الخزي وأخضعت نفسي لك لأني قد تسلمت توبيخات وصرت معروفاً لی» (ع ۱۹). وحينما طلب أفرايم توبته بندم وحزن وخضوع لمعرفة الرب سمعنا الرب يقول: «أفرايم ابن عزیز لدىّ، لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذکراً، من أجل ذلك حنت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب»  (أر ۲۰:۳۱).

 ياعزيزي التائب.. الله الحنون أب الخليقة كلها لا ينتظر منك سوى إرادة التوبة، وحينما تريد أنت التوبة ستجده يقف بجوارك كما وقف بجوار مريم ومرثا وسيقف بجوار قبر خطاياك يشير إليك إشارات باطنية أو علنية برفع الغطاء.. وحينما ترفع الغطاء بعجل ستجده يكمل توبتك بأسلوبه الإلهي الخارق للطبيعة ويخلصك مما ظننت أنك غير قادر عليه.

 حينئذ تمسك به شخصياً، فهو الذي يمنحك السلاح ويدربك على إستعماله حتى تنتصر في كل قتال..

 كما تمسك به داود النبي في حربه مع جلیات، تمسك أنت به وآمن أن النصرة من عند الرب. لكن مثلما صنع داود إصنع أنت : تقدم لصفوف التائبين، وانتخب الحجارة، وضع أحدها في المقلاع، وسدد الحجارة بمهارة ..

 إصنع كل ما عليك أن تصنعه، وحينما تصل إلى ذلك ستكون كالعبد البطال الذي لا يرجع فضل القوة في القتال لنفسه أو لممارساته إنما لله الذي يعمل معك ويتوبك

المرجع : كتاب توبني يارب فأتوب صفحة ٦٣ – القمص يوسف أسعد

الأحد الثاني من الصوم الكبير للمتنيح القمص تادرس البراموسي

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ( مت ٤ – ١ – ١١ )

أن السيد المسيح له المجد بخروجه إلى البرية على أثر عماده أراد أن يعلمنا إنه بعد قبول أحد منا نعمة المعمودية. تبدأ الشيطان لمحاربته لأننا قبل المعمودية لم يكن الشيطان رأى ما ظهر من المتعمد من الفضائل وبعد العماد نبدأ في الجهاد الروحى الذى لا يغفل عنه الشيطان لما يرانى صوم وصلاة وعبادة فتشدد الحروب وتظهر المواهب . لأن الحروب للمؤمنين كالنار للذهب إذا لم يدخل الذهب في النار لا يمكن أن تظهر درجة معدنه . لم يدخل الشيطان في الحرب والتجارب مع الرب يسوع إلا بعد المعمودية بعدها أبتدأت التجارب لذا نقول أن المعمودية طريق الصليب المعمودية بالنسبة لنا هي بداية الأيمان ولما يرانى الشيطان في الأيمان. يبدأ لمحاربة الإنسان فيوقعه في التجارب كما حدث مع أبونا أدم لما رآه على صورة الله قائلًا ابتدا محاربته بشهوة الأكل ولما أطاع آدم أسقطه وكان سقوطه سبباً لسقوط أولاده من بعده كما أن انتصار الرب يسوع بعد أن حاربه بشهوة الأكل أيضاً ففكر إنه إنسان وممكن أن يطيعه كما أطاع أبونا أدم وكان انتصار الرب يسوع على الشيطان كان سبباً لإنهاء البشرية من ذلك السقوط وتبريرهم من نير العبودية التي كان الشيطان يتسلط على بنى البشر وبانتصار الرب يسوع أعطى القوة لأولاده ليتغلبوا على إبليس وجنوده أراد الرب يسوع أن يسلم ذاته ليجرب من إبليس حتى يعطينا القوة أن نتغلب عليه ونقهره بقوة الصليب المحئ . الشيطان اللعين قد حارب أدم وقهره وجعلنا بذلك مقهورين جميعاً فجاء الرب يسوع وقهره وأنقذنا من جبروته ولما أراد الرب

أن يقهر الشيطان أخذ جسداً مثلنا وقهره علمنا الرب يسوع أن نصلى لئلا ندخل في التجارب وبهذا نتعلم أننا لا نلقى أنفسنا في التجارب بإرادتنا لكن إذا جأتنا بدون أرادتنا نتحملها بالصبر لننال أكليل الغلبة إقتداء بالرب يسوع له المجد يراد بالتجارب الأضطرابات والتشويش يطرأ على الإنسان بتحريك إبليس ليضعف ثقتهم بالله وأسباب هذه التجارب ثلاثة منهم البطن . المجد الباطل . ومحبة الفضة . هكذا أقام رب المجد لكى يدفعنا إلى الصوم ويشفينا من داء الشره ويعلمنا فوائد الصوم . صام أربعين يوماً . ولم يصم أكثر حتى لا يرتاب الناس . في الحقيقة التدقيق ويدعوا إنه ليس يتجسد مثلنا كما إنه لم يصم أقل من ذلك لئلا يكون دون موسى وايليا وقد كرم آبائنا الأولين هذا العدد لأنهم سبقوا وعلموا بالنبوة بمجئ المسيح ليظهر ويشفى جنسنا ثم إنه جاع لا بما إنه إله لأنه هو الذى يقيت ويشبع كل الخليقة لكن بما أنه صار أنساناً ويذكر الكتاب المقدس بعد انتصار الرب على التجربة جاءت ملائكة لتخدمه لنتعلم من ذلك أنه بعد انتصارنا على إبليس في هذه الحياة تقابلنا الملائكة بالترحيب وإعلان النصر

العظة الأولى

 أ- التجربة تعلمنا الصبر في الضيقات

ب- جاع ليشبع الجياع ويشترك في حياتنا

ج – صام من لا يحتاج للصوم لنتبع أثاره

د – تجرأ الشيطان لمحاربته وقاومه ليعلمنا أن نقاوم إبليس

هـ – أفقر الفقراء طلب أن يغنى أغنا الأغنياء

و – كيف تقاوم إبليس وبأى سلاح

ذ -أن عشنا مع الرب يسوع نغلب إبليس وتخدمنا الملائكة

ح – الحرص من أغراءات إبليس ونصد هجماته

ط – لا ننخدع بما يمليه علينا إبليس بقصد إنه يشفق علينا

ى – التجارب نافعة لإثبات الأيمان وتمحيص الجسد واستنارة الروح

العظة الثانية

 أ – التجارب في البرية

ب- إبليس يدخل من نقطة الضعف فينا

ج – لا نقبل نصيحة الشيطان حتى لو كانت ناجحة

د –  حروب الشيطان كثيرة فلا تستعجل في اختيار طريقك

هـ-  صلى كل بداية أي عمل لكى يقودك الرب إلى النجاح

و-  أنتهر الشيطان لا تضعف أمامه لئلا يقودك إلى الشر

ذ – لا تعتمد على ذاتك في محاربة إبليس

ح- لا تأمن لإبليس حتى لو كنت في البرية

ى- قارن نفسك بالعصافير واهتمام الله

العظة الثالثة

أ – صعود وصوم ومجرب

ب- جبل وأكاذيب وتشكيك

ج – حروب وتجارب وانتصار

د – مقاومة وقوة وانتهار

هـ – سيف القدير وهروب الحقير

و – سلطان وشيطان وتضليل

ذ -خدمة ملائكة وانتصار وحب

ح – المعمودية طريق الآلام

ط – المعمودية قوة وانتصار

ى- المعمودية طريق الأبرار

ك-  المعمودية نعمة وفخار

ل-  المعمودية نور ونار

م – المعمودية غسل الأوزار

ن – المعمودية تاج الانتصار

س – المعمودية تجبير الكسر

ع -المعمودية أعادة الحق المسلوب

ف -المعمودية تكميل المكتوب

المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية – الجزء الأول صفحة ٨٧ – إعداد القمص تادرس البراموسي

المعركة الدائمة للمتنيح القمص بولس باسيلي

تقسيم على ضوء القراءات الكنسية

البولس : رو ١٤ : ١٩- ١٥ : ٧

الكاثوليكون : يع ۱:۲ – ۱۳

الابركسيس : أع ۱:۲۳ – ۱۱

الانجيل : مت ٤ : ۱- ۱۱

القسم الأول – مؤامرات وعثرات

(١) عثرة شهوة الجسد : قال القديس بولس في رسالة البولس «كل الأشياء طاهرة لكنه شر للانسان الذي يأكل بعثرة ، حسن أن

لا تأكل لحما ولا تشرب خمراً ولا شيئا يصطدم به أخوك أو يعثراو يضعف ، (انظر البولس) ثم يبين الرسول أن العثرة ليست

من الإيمان بقوله « وأما الذي يرتاب فإن أكل يدان لان ذلك ليس من الإيمان وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية » (رو ۲۳:١٤)

إن هذه العثرة هي التي أعلنها الشيطان للسيد المسيح يوم طالبه أن يحول له الحجارة خبزاً !!!

(٢) عثرة شهوة العيون : وفي كاثوليكون هذه العظة يتحدث الرسول يعقوب عن إحدى تجارب إبليس الخاصة بالعين فيقول «

يا إخوتي لا يكن لكم إيمان ربنا يسوع المسيح رب المجد في المحاباة ، فإنه إن دخل إلى مجمعكم رجل بخواتم ذهب في لباس

بهی ودخل أيضاً فقير بلباس وسخ فنظرتم إلى اللابس اللباس البهی وقلتم له اجلس أنت هنا حسناً ، وقلتم للفقير قف أنت هناك

أو إجلس هنا تحت موطىء قدمی ، فهل لا يرتابون في أنفسكم وتصيرون قضاة افكار شريرة » ؟

تلك هي عثرة العيون التي كثيراً ما تحاربنا وتصارع انكارنا .. ولذلك يأتينا القديس يعقوب فيقول « أما أنتم فأهنتم الفقير أليس

الأغنياء يتسلطون عليكم وهم يجرونكم إلى المحاكم » (انظرالكاثوليكون) .

+ وهذه العثرة – شهوة العيون – هي نفسها التي حارب بها الشيطان ، السيد المسيح له المجد، حين « اخذه إلى جبل عال جداً

وأراه جميع مالك العالم ومجدها » (مت ٤ :۸ – ۱۱) هذا هو اغراء العين وشهوتها التي وقعت فيها من قبل حواء « ونظرت

المرأة أن الشجرة جيدة للأكل شهية للنظر فأخذت من ثمرها واكلت وأعطت رجلها أيضاً فأكل ».

(٣) عثرة تعظم المعيشة : في رسالة الإبركسيس نقرأ عن الخلاف الذي حدث في محفل اليهود بين الفريسيين والصدوقيين على إثر

خطاب بولس ، وما تعرضت له حياة الرسول من الخطر ، وقول الرب له « وثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في اورشليم

هكذا تشهد في رومية أيضاً » (أع۱۱:۲۳) في هذا الفصل نری بولس الرسول يجرب بتجربة الظهور والغرور فيقول في المجمع

« أيها الرجال الإخوة أنا فريسى ابن فريسي على رجاء قيامة الأموات أنا أحاكم » ولما قال هذا حدثت منازعة بين الفريسيين

والصدوقيين وانشقت الجماعة … وإلى اليوم كم تحدث انشقاقات وخصومات بسبب مؤامرات إبليس عدو كل خير ( أنظرالأبركسیس) .

+ ولعل هذه التجربة اساس تجربة إبليس للسيد المسيح على الجبل حين « اخذه إبليس إلى المدينة المقدسة واوقفه على جناح الهيكل

وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لانه مكتوب إنه ملائكته به فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك »

تلك هي عثرات التعظم والتفاخر والغرور .. حمانا الله …

القسم الثاني – سبيل التغلب على العثرات

(١) المقاومة : قال الرسول « قاوموا إبليس فيهرب منكم »

فالمقاومة هي اليوم سلاح الانتصار في كل المعارك ، لقد قاومت فيتنام عديداً من السنين وأخيراً انتصرت ، وقاومت مصر إسرائيل

وانتصرت ، والرب يعطى القديسين قوة على احتمالها (١كو ١٠: ١٣) لقد قاوم يوسف التجربة بثبات فهرب منها ونجح .

(۲) التذرع بالأسلحة : في رسالة بولس إلى أفسس نقرا عن الأسلحة الفريدة المفيدة النافعة « البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان

تثبتوا ضد مكايد إبليس … لابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد انجيل السلام حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به

تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله » (اف ٦ : ١٠-١٧).

(٣) السهر والصلاة : قال الرسول « مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة

لاجل جميع القديسين » .

( ٤ ) كلمة الله : كان السلاح الأعظم للسيد المسيح ضد إبليس «مكتوب .. مکتوب .. مکتوب »

حول عظة الأحد الثالث من الصوم الكبير

« أصعد يسوع .. ليجرب »

+ عجباً .. لماذا جرب المسيح ؟ ولماذا سمح للشيطان أن يجربه ؟

الجواب : « وفيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين » .

قال الدكتور ستيوارت هاتشسن أنه رأی ولداً فقيراً فقد يده اليمنى في حادث ، فكان ينفر من كل إنسان له يدان ، وأخيراً عزل الولد نفسه عن العالم وانطوى على نفسه وخشيت أسرته عليه من هذا، فبحثت له عن ولد نظيره له نفس اليد المقطوعة، وفي غرفته التي حبس نفسه داخلها وقف الصديق يقرع بذراعه الجريحة المقطوعة يده على زجاج النافذة فابتسم الولد وانفرجت أسارير وجهه ، وفتح الباب لأول مرة لذلك الزائر الصديق .. لقد أنس له وارتاح اليه .

ولعل هذا هو سر تجربة المسيح ، إنه جرب ليعين البشر المجربين !!

فرص تعرضنا للتجربة والسقوط

+ يسوع تقدم للتجربة ليكون لنا مثالا لنتبع أثر خطواته ، فلماذا نسقط نحن ؟

لقد سقط داود أمام تجربته القاسية (۲ صم ۱۱) لعوامل كثيرة :

+ لانه استخدم أوقات فراغه استخداما سيئاً ، فكان يتمشي فوق السطح بلا هدف معين و السبب لتضييع الوقت « مفتدين الوقت لأن

الأيام شريرة » (اف ٥ : ١٦)

+ لأنه استغل العين التي طالما تفرس بها في جمال الرب في الشر، فقد نظر نظرة شاردة جرت الويل والدمار عليه وعلى بيته «سراج الجسد هو العين » ( مت ٦ : ۲۲)

+ مشغولیته و تفكيره في التجربة ، مما جعله يرسل ويسال عن المرأة . كان ممكن أن يطرد هذه الفكرة ويفكر فقط فيما قاله

الرسول « كل ما هو حق . كل ما هو جليل . كل ما هو طاهر … إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا »

(في ٤ : ٨) ازرع فكراً تحصد عملا !!

+ استخف بالأمر وعمل على إفساح الطريق للشر مع المرأة فقتل زوجها واذلها..واستخدم سلطته استخداما سيئا كملك فعمل الشر في عيني الرب .

إن كنت ابن الله

• أراد الشيطان أن يشكك المسيح في بنوته لله ، وأن يشكك المؤمنين في إيمانهم بلاهوت المسيح ، وفي كلمات مركزة نثبت هذه الحقيقة :

+ تنبأ إشعياء بأن المسيح هو الله « ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو اسمه عمانوئيل (إش ٧ : ١٤) وقد فسره الوحي في العهد الجديد قائلا « عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا » ( مت ۱: ۲۲) .

+ وقال إشعياء أيضاً عن المسيح « لانه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، إلها ،

قديراً ، أبا ، أبديا ، رئیس السلام ( إش ۹: ٦ ) وقد جاء العهد الجديد مصادقا لهذا فقال الملاك للسيدة العذراء حين بشرها «

الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله » (لو ١ : ٣٦)

+ لما أخرج الرب يسوع الشياطين كانت تصرخ وتقول«ما لنا ولك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت قدوس الله» (مر ١ : ٢٤) .

+ ولما ذهبت العذراء لزيارة أليصابات نطقت هذه بالروح القدس وقالت للعذراء « من اين لي هذا أن تأتي أم ربي إلى » (لو ١ :

٤٣).

+ لما رآه توما بعد القيامة قال له « ربی والهی » ( يو ۲۸:۲۰ ) .

+ قال الرسول بولس عن المسيح « الكائن فوق الكل إلها مباركا إلى الأبد » (رو ٩: ٥) و« إنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً »

(کو ۸:۲) ، وأن المسيح هو الخالق « به كان كل شيء وبغيره لميكن شيء مما كان » (يو ۳:۱).

+ وقال عنه الوحي إنه الأزلى « مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (مي ٥ : ٢) .

+ وقال الوحي عن المسيح إنه المعبود « لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض » ( في٢: ١٠)

+ وانه الديان « لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال

كل واحد منا ما كان عليه بالجسد بحسب ما صنع خيراً أم شراً » (۲ كو ٥ : ۲۰).

+ وقال المسيح عن نفسه « أنا هو الأول والآخر  ، والحي وكنت ميتا ، وها انا حي إلى أبد الآبد آمين ، ولى مفاتیح الحاوية و الموت» (رؤ ۱۷:۱) .

+ وقال عن نفسه أيضا « ها انا آتي سريعا وأجرني معى لأجازی

کل واحد كما يكون عمله، أنا الألف والياء ، البداية والنهاية ، الأول والآخر..أنا آتي سريعا.. آمين تعال أيها الرب يسوع » (رو

۱۲:۲۲) .

+ وقال عنه الرسول بولس « الذي وهو بهاء مجده ، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته » (عب ١ : ٣) كما قال عنه

البشير يوحنا « في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله » ( يو ۱ : ۱)

وفي قانون إيمان الكنيسة نقول « نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور ، نور من نور ، إله حق من إله حق » .

« ليجرب من إبليس »

• إن إبليس وجنوده سكنوا السماء قبل سقوطهم على حد قول الرسول « لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء » (بط ٢: ٤)

وفي موضع آخر ورد قوله تعالى : « والملائكة الذين لم يحفظوا ریاستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود

ابدية تحت الظلام » (يهوذا ٦)

وللشيطان أسماء كثيرة : إبليس (يو ٨: ٤٤) التنين والحية القديمة (رؤ۱۰:۱۲) رئيس هذا العالم (یو ۱۲ : ۳۱) رئيس سلطان الهواء(اف ٢: ٢) بعلزبول (مت ۱۲ : ٢٤) بليعال (۲ کو ٦ : ١٥) الأسد (١ بط ٥ :۸) سطانائيل – ليسفوروس.

ولا يفوتنا أن نسجل عنه ما قاله سفر الرؤيا « إبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب

وسيتعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين » (رؤ ۱۰:۲۰). وجاء عنه أيضاً « وحدثت حرب في السماء . ميخائيل وملائكته

حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء . فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو

إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته »  (رؤ ۷:۱۲).

من أجل هذا رتبت الكنيسة عند المعمودية أن يتعهد « إشبين » الطفل المعمد برعاية طفله وان يقوم بجحد الشيطان قبل نزوله إلى

جرن المعمودية قائلا « اجحدك ايها الشيطان و كل أعمالك النجسة و كل جنودك الشريرة و كل عبادتك المرذولة وكل حيلك الرديئة »وكأنما بهذا يردد مع رب المجد القول الذي للشيطان « اذهب عني یا شیطان » .

وأشهر هذه الاسماء للشيطان كلمتان : « إبليس » و « شيطان » وابليس كلمة اعجمية من « ابلس » بمعنى ارتاب أو تحير ، وأما

شيطان فهي كلمة عبرية من «شطن » بمعنى انحرف وتمرد وعاند و اشتكي ، و يقال إنها ترجمة الكلمة اليونانية « دیابوليس »

« أخذه إلى جبل عال »

• لقب موسی فلسطين ببلاد الهضاب والآكام نظراً لكثرة جبالها ..لقد زرنا الأرض المقدسة وكان لنا حظ صعود هذا الجبل بالذات «

جبل التجربة » ، ورأينا من فوقه جمال البلد وأشجارها و بحارها و تحسسنا أقدام السيد المسيح وهي صاعدة على ذلك الجبل العظيم ، و كأنما كنا نستمع إلى ذلك الصوت الإلهي وهو يصرخ في وجه الشيطان : « أذهب عنى يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك

تسجد وإياه وحده تعبد » !

المرجع : كتاب المواعظ النموذجية المجلد الخامس صفحة ١٣٦ – القمص بولس باسيلي

المدلولات اللاهوتية والروحية لبعض الكلمات الواردة في إنجيل القدَّاس للمتنيح الدكتور موريس تواضروس

عدد١: ابليس(Diabolos):

وتعني الكلمة: المفتري- النمام- الواشي- الثالب. وفي بعض الأحيان أطلقت علي البشر, فدعي يهوذا [شيطان] {يو ٦: ٧٠}. وذكرت من بين الصفات الرديئة التي يجب أن تتحفظ منها النساء, فلا يكن [ثالبات] {١تي ٢: ١١} كذلك ذكرت من بين الصفات التي يكون عليها الناس في الايام الأخيرة [ثالبين] {٢تي٣:: ٣}. وفي مثل هذه الحالات ورد ذكرها بدون أداة تعريف. أما كلمات: الشيطان- الشرير- إله هذا العالم فلقد ذكرت علي الدوام مع أداة التعريف, ودائماً في حالة المفرد..وليس صحيحاً ما يزعمه البعض من التفرقة بين كلمة (Satan) وكلمة (Demon) بأعتبار أن الأخيرة تشير فقط إلي الأرواح النجسة التي كانت تسيطر علي البشر,وطردها السيد المسيح وتلاميذه. والصحيح أن الكلمتين (Satan- Demon) تشيران إلي نفس الكائنات وتترجمان (بالشيطان) أنظر مثلاً {مت١٦: ٢٣} حيث وردت كلمة ( (Satanوتترجم (شيطان) وكذلك أنظر {مت٧: ٢٢} حيث وردت كلمة (Demon) وتترجم أيضاً (شيطان)..

عدد٣: ابن الله:

[إن كنت ابن الله] تؤكد الصياغة اليونانية علي كامة (ابن) أي أن التساؤل يدور حول كلمة (ابن). فتعني العبارة: إن كنت تقف من الله موقف الابن, أو إن كانت علاقتك بالله هي علاقة (الابن).

أن تصير هذه الحجارة خبزاً: من المحتمل- كما قيل- أن تكون الحجارة التي أشار إليها إبليس لها شكل الخبز. ومظهر الحجارة في شبه الخبز أمام جسد جائع لأربعين يوماً من الصوم, قد يزيد قوة في اغراء التجربة.

عدد٥ : أخذه (Paralambaned):

تتركب الجملة من الحرف (Para) الذي يعني (مع) أي أخذه معه. و هذا الفعل هو نفس الفعل الذي تستخدمه الأناجيل الثلاثة وهي تتحدث عن السيد المسيح عندما أخذ تلاميذه وصعد بهم إلي جبل التجلي {مت١٧: ١+ مر٩: ٢ + لو٩: ٢٨}. وهذا يدعونا إلي القول بأن السيد المسيح كان يذهب مع ابليس إلي المكان الذي يختاره ابليس أو يحدده للتجربة. فإبليس كان يصحب المسيح معه, ومع ذلك فالسيد المسيح يرافق ابليس ليس عن اضطرار بل بمحض إرادته وكامل حريته, ومن قبل مشيئته..

المدينة المقدسة:

القديس متي هو وحده الذي يدعو أورشليم بهذا الاسم, وهذا يتفق مع هدفه في الربط بين العهد القديم والعهد الجديد..

الهيكل: (Ieron ):

تعني الكلمة حرفياً (المكان المقدس), وهو يتضمن كل دائرة المرفقات المقدسة بأروقتها وساحاتها والأبنية الأخري التابعة للهيكل. ويجب أن تميز عن كلمة أخري (Naos) تترجم أيضاً (هيكل) فهذه الكلمة الثانية تعني المعبد نفسه (القدس وقدس الأقداس), فعندما نقرأ مثلاً أن السيد المسيح يعلم في الهيكل (Ieron) فإن ذلك يعني في رواق من أروقته, وعلي ذلك فالمسيح طرد الباعة والصيارفة من الهيكل (Ieron)  أي في معناه الواسع. وفي {مت٢٧: ٥١} فإن حجاب الهيكل (Naos) هو الذي أنشق, وهو الحجاب الذي يفصل بين القدس وقدس الأقداس..

وفي قصة زكريا الكاهن, حيث قيل [دخل إلي الهيكل ليبخر], تستعمل كلمة (Naos) {لو١: ٩} حيث كان مذبح البخور. وفي {يو٢: ٢١} [هيكل جسده] فإن كلمة (Ieron) بالطبع لا تعتبر مناسبة, ولذلك تستعمل كلمة (Naos)..

المرجع : كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي صفحة ٣٠ – الدكتور موريس تواضروس

 

من وحي قــراءات اليــوم

  • موكب النصرة لايعتمد فقط على القائـد بل أيضا على دوام التبعية له.
  • النصرة لاتعني غياب الضعفات بل سرعة القيام وحساسية التوبة الدائمة.
  • النصرة داخلية وهى التحرر من المخاوف والكراهيـة وكل أشكال الخطية.
  • لا يفـرح الله بلغة الضعف لكنّه يفـرح بالضعفاء المتمسّكين بقوته.
  • لك أقـول قم نداء يومي للنعمة الإلهية.
  • يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا تعني أنّه لاتوجـد نصرة حقيقية سوى بتذوق الحب الإلهي.
  • ننتصر دائما عندما لا تُرْفٓع عيوننا من على وجهه وحضوره.
  • ننتصر أكثر وأعمق عندما ننشغل بقيام الآخرين من سقوطهم.
  • طريق الوحدة في الكنيسة شاق جداً لكنه مثمر جداً.
  • طحن الحبوب وعصّر العنب ليصيرا خبزة واحدة وعصير كرمة واحـد يرسمان لنا طريق وحـدتنـا وسر نصرتنا.

 

المراجع

 

[1]– تفسير إنجيل مـرقس – القمص تـادرس يعقـوب ملطي.

[2]– تفسير إنجيل مـتى – القمص تـادرس يعقـوب ملطي.

[3] Simonetti, M. & Oden, T.C. ( 2001 ). Matthew 1- 13 ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part Ia ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press.                                   Pages 55,56

ترجمة الأخت : إيفيت منير – كنيسة مار مرقص ببني سويف.

[4]  JR, A.J. & Oden, T.C. ( 2003 ). Luke ( The Ancient Christian Commentary on Scripture,

New testament part III ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press. Pages 72 – ( لوقا ٤ : ١ – ١٣)

ترجمة الأستاذ إبراهيم نجيب – كنيسة مار مرقص بالمعادي.

[5]تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري –  صفحة ٧٦ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[6]أي بصومه أربعين يوماً دون أن يخور الجسد من ناحية، وبسماحه للجسد أن يشعر بالجوع من ناحية أخرى.

[7]–  كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير –  صفحة ١٢٦ – طبعة 1991-  ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد .

[8]كتاب عظات القديس أغسطينوس علي رسالة يوحنا الأولي صفحة ٤٧ – ترجمة القمص بنيامين مرجان. 

[9]– كتاب تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

[10]كتاب من كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم صفحة ١٥٥ – ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي. 

[11]كتاب الإنسان الروحي – حياة الغلبة والانتصار – البابا شنوده الثالث.

[12]كتاب عظات مضيئة معاشة للقمص بيشوي كامل – ج7 ص 73 – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين

[13]كتاب مفاهيم انجيلية – صفحة 72 – للانبا ابيفانيوس اسقف ورئيس دير القديس انبا مقار

[14]– كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – البابا تواضروس الثاني.

[15]المرجع كتاب تاملات روحية في قراءات اناجيل احاد السنة القبطية صفحة 672 – 722